سرّ غريب.. روسيا تتفوق على الغرب في إنتاج الأسلحة
رغم فارق ميزانيات الدفاع، إلا أن روسيا تتفوق على أمريكا وحلف «الناتو» في إنتاج الأسلحة، ويرجع ذلك لسبب غريب.
فقبل أشهر، أعلن ويليام أ. لابلانت، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) للمشتريات والاستدامة أنه "منذ نهاية الحرب الباردة، لم تقم الصناعات الدفاعية بالكثير من أعمال الإنتاج للوزارة".
تصريح مذهل يتوافق مع الاستجابة المخيبة للآمال من القاعدة الصناعية الدفاعية في الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) لحرب أوكرانيا، وفقا لما ذكره موقع "ريسبونسيبل ستايت كرافت".
تفوق
وكشف الموقع عن تفوق روسيا على الناتو وأمريكا في إنتاج الذخيرة والصواريخ والدبابات، رغم أن ميزانيتها الدفاعية لعام 2023 لا تتجاوز 100 مليار دولار.
فيما يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 2 تريليون دولار مقارنة بميزانية الدفاع المشترك لأمريكا والحلف التي تبلغ 1.47 تريليون دولار وناتجها المحلي الإجمالي المشترك الذي يبلغ حوالي 45 تريليون دولار.
وقد يكون السر في ذلك أن واشنطن وحلفاءها يخوضون حربا يريدون الفوز بها، في حين تخوض روسيا حربا تعتقد أنه يجب الفوز بها، بمعنى آخر فإن موسكو تنظر إليها باعتبارها "حربا وجودية".
وبالتالي، فإن الأمر بالنسبة للبنتاغون ومقاولي الدفاع الأمريكيين يسير كالمعتاد إلى حد كبير في وضع تكون فيه الأرباح والإيرادات هي الشاغل الرئيسي.
وفي ظل غياب إصلاح دفاعي حقيقي، سيستمر مقاولو الدفاع في مسيرتهم الطويلة من تسليم الأسلحة مثل مقاتلات إف- 35 وحاملة الطائرات من طراز فورد والصاروخ الباليستي العابر للقارات سنتينل، في وقت يتجاوز الجدول الزمني وبمبالغ تفوق المتفق عليه بمليارات الدولارات.
وبحلول 2022، لم يعد الجيش الأمريكي يعتقد أن المدفعية تشكل أهمية مركزية في ساحة المعركة مثل السابق.
وهي العقلية التي اتضحت في طلب الجيش في 21 مايو/أيار 2021، الإذن بخفض الإنفاق السنوي على قذائفه عيار 155 ملم إلى النصف، مما أدى إلى تقليص الإنتاج السنوي إلى 75357 طلقة سنويًا، أي حوالي 6200 طلقة شهريًا.
كما اتضح أن الجيش كان يشرف على تراجع سلسلة توريد ذخيرة المدفعية الأمريكية، حيث كشف مقال استقصائي نشرته وكالة «رويترز»، أنه على مدار سنوات كان إنتاج واشنطن لقذائف عيار 155 ملم مشلولًا بسبب عيوب التصنيع وقضايا السلامة.
وبالإضافة إلى ذلك، تأخرت خطط استبدال منشأة إنتاج المدفعية الأمريكية القديمة في فرجينيا بمنشأة حديثة ذات سعة أعلى بكثير عن الموعد المحدد بـ10 سنوات بينما تضاعفت تكلفتها تقريبًا.
ويظل الأمر الأكثر إزعاجًا هو ما يتعلق بمدى سوء صيانة الجيش الأمريكي والكونجرس لسلسلة توريد قذائف المدفعية.
وهو ما كشفته وثيقة داخلية للجيش الأمريكي لعام 2021 توضح "الاعتماد الأجنبي" على ما لا يقل عن 12 مادة كيميائية ضرورية لتصنيع قذائف المدفعية جرى الحصول عليها من الصين والهند المرتبطتان بعلاقات وثيقة مع روسيا وفقا لتحقيق رويترز.
حالة سيئة
كل تلك الأمور أدت إلى سلسلة توريد ذخيرة المدفعية في حالة سيئة للغاية، خاصة عند مقارنتها بـ 438000 طلقة شهريًا كان يمكن لمصانع الذخيرة الأمريكية إنتاجها في عام 1980.
ولاستعادة سلسلة التوريد، طلب الجيش الأمريكي 3.1 مليار دولار لزيادة إنتاج قذائف 155 ملم إلى 100000 قذيفة شهريًا بحلول نهاية عام 2025.
وهو المبلغ الذي ضاعفه الكونغرس ليقدم 6.414 مليار دولار كجزء من مشروع قانون الأمن التكميلي بقيمة 95 مليار دولار الذي وقعه الرئيس جو بايدن في 24 أبريل/ نيسان الماضي.
وتبدو خطة الجيش لزيادة الإنتاج إلى 100 ألف طلقة شهريًا، و1.2 مليون طلقة سنويًا، بحلول نهاية عام 2025 جيدة جدًا، لكن حتى الآن لم يظهر هذا المعدل للإنتاج على أرض الواقع كما أنه مع حلول هذا الموعد ربما تكون أوكرانيا قد خسرت الحرب.
وبالنسبة لحلفاء أمريكا في أوروبا، تأتي أخبار الذخيرة الأكبر من ألمانيا بفضل عقد لشركة الدفاع العملاقة راينميتال، البالغ قيمته 8.5 مليار يورو مع الجيش الألماني لإنتاج ما يصل إلى 700 ألف قذيفة مدفعية و10 آلاف طن من البارود سنويًا، بدءًا من عام 2025.
وإذا سارت الأمور وفقًا لهذه الخطة، فقد تنتج الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو بحلول نهاية عام 2025، ما يقرب من مليوني طلقة عيار 155 ملم سنويًا.
روسيا
هذا الرقم يتضاءل عند النظر إلى روسيا التي زادت بالفعل إجمالي إنتاجها السنوي من قذائف المدفعية إلى ثلاثة ملايين طلقة بما يشمل زيادة إنتاجها من قذائف عيار 152 ملم خمسة أضعاف، من 400 ألف طلقة سنويًا في يناير 2022 إلى مليوني طلقة سنويًا.
كما أفادت التقارير أن روسيا تمكنت من زيادة إنتاج قذائف المدفعية الموجهة بدقة عيار 152 ملم كراسنوبول-إم 2 بعامل 20.
وهذه القذائف أكثر مقاومة للتشويش من قذائف إكسكاليبر عيار 155 ملم الموجهة بدقة والتي تكلف 100 ألف دولار والتي كانت واشنطن تزود أوكرانيا بها لكنها أصبحت غير فعالة إلى حد كبير بسبب التشويش الروسي.
وبالنسبة لأوكرانيا، فإن إنتاج قذائف المدفعية غير كاف حيث تحتاج كييف أيضا إلى المدفعية لإطلاق القذائف مع تآكل مدفعيتها وتعرضها للتدمير الروسي.
ورغم عدم توفر الكثير من المعلومات حول معدلات إنتاج المدفعية، إلا أن روسيا تتفوق على واشنطن والناتو في إنتاج الأسلحة وذلك بفضل مصانعها الضخمة التي تعود إلى الحقبة السوفييتية لإنتاج الذخيرة والمركبات وغيرها من المعدات العسكرية.
تدابير طارئة
الأكيد أنه إذا اعتقدت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو أن وجودهم مهدد فعلا فسيكون بإمكانهم إنفاق مليارات الدولارات لوضع تدابير طارئة تسمح لهم بالتفوق على روسيا، لكن الأمر يتطلب تعطيل الوضع الراهن للمشتريات الدفاعية.
نظريا يمكن القيام بهذا الأمر، لكن يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاؤها لا يتعجلون وضع سياسات صناعية جديدة شاملة ربما لأنهم يعرفون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن ينفذ هجوماً غير مبرر على دولة عضو في الناتو، وأن قيم الديمقراطية ستبقى بغض النظر عن نتيجة حرب أوكرانيا.
وبالتالي، فإن التهديد الروسي يبدو كبيرا لدرجة تبرر منح مليارات الدولارات لشركات المقاولات الدفاعية من أجل تجديد مخزونات الأسلحة والذخيرة والحصول على أسلحة جديدة، لكنه ليس كبيراً لدرجة تبرر تعطيل الوضع الراهن الذي خلقه مقاولو الدفاع.
في المقابل، فإن الحشد العسكري الروسي سيظل يعبر عن دولة تعتقد أنها تخوض حرباً وجودية من أجل البقاء.