دماء موسكو «أحيته».. من هو «داعش خراسان»؟
جثث على الأرصفة وألسنة لهب تلتهم الجدران والأحياء وجلبة وفوضى تشيان بأن «إعصارا» من نوع ما مر على العاصمة الروسية فحول صقيعها إلى لهيب.
ليلة دامية شهدتها موسكو، الجمعة، عقب مقتل العشرات وإصابة أكثر من 100 بجروح، في إطلاق نار أعقبه حريق ضخم في مجمع كروكوس سيتي هول للحفلات الموسيقيّة بضواحي العاصمة.
وفي بيان عبر تطبيق "تليغرام"، أعلن تنظيم داعش الذي استهدف روسيا مرات عدة، أن مسلحيه "هاجموا تجمعا كبيرا (...) في محيط العاصمة الروسية موسكو"، مضيفا أن عناصره "انسحبوا إلى قواعدهم بسلام".
والفصيل الذي تبنى الهجوم هو فرع "داعش" في أفغانستان الذي يسمى "ولاية خراسان" أو "داعش خراسان"، وقد برز اسم الجماعة بعد وقت قصير من إطاحة "طالبان" بالحكومة الأفغانية في 2021.
وفيما يلي، تستعرض «العين الإخبارية» سيرة ذراع داعش في كل من أفغانستان وباكستان، والتي امتدت إلى شمال أوراسيا لتضرب بقوة في توقيت بالغ الحساسية بالنسبة لروسيا والعالم.
النشأة والتسمية
اسمه نسبة لخراسان، الذي كان يطلق قديما على المنطقة التي تضم أفغانستان وباكستان وإيران ووسط آسيا.
ظهرت «ولاية خراسان» أو «داعش خراسان» في يناير/كانون الثاني عام 2015، وضمت منشقين عن حركة طالبان باكستان، من المنبهرين بتنامي قوة داعش بسوريا والعراق في 2014.
وحينها، أعلن هؤلاء المنشقون ولاءهم لزعيم داعش السابق أبوبكر البغدادي، قبل أن يقتدي بهم آخرون من دول وسط آسيا والشيشان والهند وبنغلاديش والصين، ليتشكل بذلك الفصيل.
ومع أنه من الصعب تحديد قوة التنظيم، فإن مختصين في شؤون التنظيمات الإرهابيين يرجحون أنه يضم آلاف الأفراد، معتبرين أن الرقم مرشح للارتفاع والانخفاض حسب الظروف.
وبعد إعلان قيام «داعش خراسان»، تمركز مسلحوه بالمناطق الجبلية بين ولايتي ننغرهار وكونار بأفغانستان، وهو تموقع طبيعي بالنسبة لتنظيم يعتبر نفسه المنافس الاستراتيجي لحركة طالبان.
واللافت أن تلك المناطق هي نفسها التي قالت تقارير إن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن اختبأ فيها عقب الإطاحة بطالبان في 2001.
ولاحقا، وتحديدا عقب دحر داعش في سوريا والعراق، تعززت صفوف فرع خراسان بالإرهابيين العائدين من البلدين، من جنسيات مختلفة، وخصوصا من دول وسط آسيا.
ومني التنظيم بخسائر فادحة حين قتل قائده حافظ سعيد على يد الأمن الأفغاني في 2016، ولم يكد يتعافى من خسارته تلك حتى فقد خلفه عبدالحميد لوغاري بنفس الطريقة في أبريل/نيسان من العام التالي.
وبعدها بسنوات قليلة، وتحديدا في 2020، ألقت أفغانستان القبض على زعيم التنظيم عبدالله أوراكزاي في عملية أمنية بالجنوب.
ولاحقا، تولى زعامة «داعش خراسان» شخص يدعى ثناء الله غفاري المعروف بـ"شهاب المهاجر"، ولا يعرف إن كان على رأس التنظيم حتى اليوم أم لا، لكن المؤكد هو أن مسلحيه يتمركزون بشكل مكثف في ولايات ننغرهار، ونورستان، وكونار، ولغمان بأفغانستان.
تمركز اقتضته الضرورة والجغرافيا، خصوصا بعد فشل التنظيم في التواجد بمحيط العاصمة كابول والولايات الشمالية، كما لم ينجح في الاحتفاظ بتفوقه على الأرض بعد سيطرته على أجزاء في المناطق المذكورة مع تراجع قوات الأمن الأفغانية.
أدرجته واشنطن على لائحة التنظيمات الإرهابية عام 2016، وصنفه مؤشر الإرهاب العالمي التابع لمعهد السلام والاقتصاد على أنه واحد من أكثر 4 تنظيمات إرهابية دموية على مستوى العالم، وذلك حتى عام 2018.
لماذا روسيا؟
ورغم أن هجوم موسكو يمثل تصعيدا خطيرا، فإن خبراء يعتبرون أن تنظيم «داعش خراسان» عارض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السنوات القليلة الماضية.
وقال كولين كلارك من مركز سوفان وهو مجموعة بحثية مقرها واشنطن "ركز داعش ولاية خراسان اهتمامه على روسيا على مدى العامين الماضيين وتضمنت دعايته مرارا انتقادا لبوتين".
من جانبه، اعتبر مايكل كوجلمان من مركز ويلسون ومقره واشنطن أيضا، أن تنظيم داعش خراسان "يرى أن روسيا متواطئة في أنشطة تضطهد المسلمين باستمرار"، وهو ما يختلف فيه خبراء ممن يرون العكس تماما.
وأضاف أن التنظيم يضم أيضا بين أعضائه عددا من المسلحين القادمين من آسيا الوسطى الذين لديهم مظالمهم الخاصة حيال موسكو.
قراءة أخرى قد تفسر سبب استهداف روسيا، ولها علاقة مباشرة بالحرب في أوكرانيا، حيث يرى مراقبون أن التنظيم استفاد من تدوير المقاتلين المنضمين للحرب الدائرة شرقي أوروبا.
ومثل هؤلاء المسلحون إضافة نوعية للتنظيم وحافزا معنويا لباقي أعضائه خصوصا أن معظمهم من المنتمين السابقين لتنظيم القاعدة وجناح حقاني ومنشقين عن طالبان.
وعلى الأرض، لم يغب عناصر «داعش خراسان» عن الحرب الأوكرانية، حيث ضخ التنظيم مقاتليه ليلتحقوا بالمعارك انطلاقا من مراكزهم الأصلية في سوريا باتجاه دولهم الأصلية، وكان الهدف واضحا وهو إشعال مسارح العمليات في شمال القوقاز ودول آسيا الوسطى.
طرح أكده الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية بالشرق الأوسط (سينتكوم) بالقول في تصريحات سابقة إن «داعش لم يعد قويا فقط في أفغانستان بل أيضا خارجها».
ولفت إلى أن التنظيم «بات يمتلك القدرة على تنفيذ هجمات في أوروبا وآسيا، وأن مقاتليه يتمركزون على الحدود مع طاجيكستان».