العقوبات والنفط والغرب.. نائب رئيس وزراء روسيا يكشف استراتيجية موسكو (حوار)

في عالم يضجّ بالتحولات الاقتصادية المتسارعة والتوترات الجيوسياسية المتزايدة، تجد الاقتصادات نفسها أمام اختبار صعب: كيف تستغل الفرص المتاحة وسط فوضى الأزمات؟
ضمن هذا السياق المعقّد، تتباين التقديرات حول مستقبل الاقتصاد العالمي وطبيعة التحولات التي تعيد رسم موازين القوى.
في حوار خاص مع صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية، يقدم نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك رؤية موسعة لأبرز الملفات الاقتصادية الساخنة، من تداعيات التصعيد الإقليمي بين إسرائيل وإيران إلى تقلبات أسواق النفط، ومن تأثير العقوبات الغربية إلى فرص التعاون الدولي في ظل هذه الظروف المضطربة.
يأتي هذا الحوار مع أحد أبرز صناع القرار في الساحة الدولية، الذي يمتلك رؤية استراتيجية عميقة لمختلف هذه القضايا.
وفيما يلي نستعرض جزءا من نص المقابلة الكاملة:
ما رأيكم فيما يحصل في إيران وانعكاساته على الاقتصاد العالمي؟
قال نوفاك "الاقتصاد العالمي يواجه حاليا تحديات كبيرة وحالة من عدم اليقين، ونرى أن هذا نتيجة لعدة عوامل، من بينها فرض العقوبات على عدد من الدول. وهذا الأسلوب يستخدم بكثافة، ما يعرقل سلاسل التجارة العالمية الراسخة.
وأضاف "العامل الثاني هو الحروب التجارية الجمركية، وقد بدأت موجتها الثانية في الربيع بين الدول الكبرى، وهي تؤثر بطبيعة الحال على تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وتابع بقوله "بالإضافة إلى ذلك، هناك العوامل الجيوسياسية، مثل الوضع الحالي في الشرق الأوسط، الذي يشكل ما يُشبه "البجعة السوداء" (مصطلح لوصف الحوادث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي لا يمكن تجنبها ويستحيل التنبؤ بها) بالنسبة للاقتصاد العالمي، حيث لا يزال من غير الواضح كيف ستنتهي تداعياته".
ثم أضاف "الاتجاه الأبرز الذي نلاحظه اليوم هو تحول مراكز النمو الاقتصادي نحو الشرق، وتحديدا نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وهذا بدوره يدفع الدول الغربية لاتخاذ إجراءات غير مناسبة – سبق أن أشرت إليها – في محاولة للحفاظ على دورها ومكانتها في الاقتصاد العالمي".
هل تتوقعون أن ترتفع أسعار النفط نتيجة لما يحدث في إيران؟
علق نوفاك، قائلا: "السوق سيتفاعل تبعا لما سيحدث. بالطبع، إن وُجدت مخاطر على الإمدادات لعدة أسباب، فسيؤثر ذلك على أسعار النفط. لا أستطيع أن أتحدث بأرقام دقيقة حاليا، لأن من الصعب التنبؤ بذلك، لكن من الواضح أن هذه العوامل تشكل مخاطر على توازن العرض والطلب، وسيتم أخذها بالحسبان".
يقول الغرب إن الاقتصاد الروسي في أزمة.. هل هذا صحيح؟
أجاب نوفاك بأن "الاقتصاد الروسي بالتأكيد ليس في أزمة. بل، وعلى الرغم من آلاف العقوبات المفروضة والرغبة في عرقلتنا، حقق الاقتصاد الروسي خلال العامين الماضيين معدلات نمو تجاوزت 4% سنويا، وهو أعلى بكثير من المتوسط العالمي، وبفارق أكبر من معدلات النمو في دول الاتحاد الأوروبي".
وتابع "في الاتحاد الأوروبي، النمو قريب من الصفر، وفي ألمانيا تحديدا، هو في المنطقة السلبية".
وأضاف بقوله "ونتيجة لمعدلات النمو المرتفعة، واجهنا معدلات تضخم أعلى، ونحن حاليا في مرحلة "تهدئة الاقتصاد المُدارة" بهدف خفض التضخم، وهذه عملية طبيعية. تقوم بها البنوك المركزية عالميا من خلال آلية التحكم في أسعار الفائدة، ونحن نقوم بالأمر نفسه الآن عبر سياسة نقدية صارمة".
وتابع "وقد بدأت هذه السياسات تؤتي ثمارها بالفعل، حيث انخفضت معدلات التضخم بشكل ملحوظ، خصوصا خلال الشهرين الأخيرين. وهذا مؤشر إيجابي لمواصلة التغييرات الهيكلية والإصلاحات اللازمة لتحقيق نمو مستدام".
40 % تقريبا من ميزانيتكم مخصصة للدفاع، كما أن نصف صندوق الثروة السيادي قد استُهلك. إلى متى يمكنكم الاستمرار بهذا الشكل؟.
قال نوفاك "ميزانيتنا متوازنة، وتُدار وفق القواعد المحددة في قوانيننا المالية. وهي تأخذ في الحسبان جميع النفقات الضرورية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، والتحول نحو التقنيات الحديثة، وتطوير صناعات جديدة".
وتابع "جزء كبير من الميزانية يُخصص لتنفيذ المشاريع الوطنية، وأيضا للوفاء بجميع الالتزامات الاجتماعية للدولة تجاه المواطنين، لا سيما الفئات منخفضة الدخل. كما تشمل الميزانية تمويل البنية التحتية الاجتماعية والطرقية".
"لذا، رغم أن جزءا من الإنفاق يذهب إلى قطاع الدفاع، فإن الميزانية تغطي كل ما هو ضروري لتحقيق الأهداف الوطنية في النمو الاقتصادي المستدام وتحسين رفاه المواطنين."
أوروبا والولايات المتحدة تخططان لتجميد الأصول الروسية واستخدامها لتمويل الحرب في أوكرانيا. هل ترى أن موسكو والغرب يمكن أن يعملا سويا مجددا؟
أجاب نوفاك بقوله "لم أفهم تماما معنى "التوصل إلى اتفاق مع أوروبا". الأصول المجمدة تم تجميدها بصورة غير قانونية، وهي ملك للاتحاد الروسي، وأي تصرف بها يعد تصرفا غير قانوني".
ما ردكم في حال أنفقوا هذه الأموال؟
قال نوفاك "في الواقع، أعتقد أنهم لم ينفقوها بعد، ومن غير المرجح أن يفعلوا، لأن هذا سابقة خطيرة للمجتمع الدولي، ومجازفة كبيرة للنظام المالي العالمي في المستقبل. ونحن على يقين من أن هذا التصرف غير قانوني، وسينتج عنه دعاوى قضائية ضخمة، لن تكون في صالح من يتخذ مثل هذه القرارات".
ما مدى تأثير الحروب التجارية، خاصة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على روسيا؟
قال نوفاك "بالنسبة لروسيا، فإن الحروب التجارية ليست جديدة، بل بدأت منذ أكثر من عشر سنوات. أما الحروب التجارية بين الدول الأخرى، كما ذكرت سابقا، فهي سيئة للاقتصاد العالمي، وتؤدي إلى تباطؤه، كما تُضعف سلاسل الإمداد العالمية، وتزيد من التكاليف، وتقلل الكفاءة".
وتابع "بالنسبة لنا، هناك مخاطر من تراجع الطلب على صادراتنا نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي. لكن هناك أيضًا فرص؛ فحين تنكسر سلاسل التوريد، تظهر فجوات يمكن للمنتجين الروس – سواء المصدرين أو المستوردين – الاستفادة منها، بما يتيح لنا تطوير التعاون مع شركاء جدد".
ما مدى تأثير العقوبات على روسيا؟
أجاب نوفاك بقوله "أولا علينا أن نرى ما إذا كانت هناك عقوبات جديدة فعلا، لأن العقوبات علينا كثيرة بالفعل – بعشرات الآلاف – ولا يمكن حصرها.
وتابع "ومع ذلك، نرى أن اقتصادنا لا يزال ينمو، وتستمر عمليات الإحلال المحلي بدل الواردات، وينمو السوق المحلي، ويُنتج المصنعون الروس ما كانوا يشترونه من الخارج. والطلب المحلي في تزايد".
أيضا قال "لقد تعلمنا كيف نُنتج ما كنا نستورد. وفيما يخص التجارة الخارجية، فإن السوق العالمي يعمل بطريقة تجعل من الصعب حظر المنتجات المطلوبة. إذا كان هناك طلب على منتج، فسيظل مطلوبًا رغم العقوبات، وستُملأ تلك الفجوات".
واختتم بقوله "ونحن نعتقد أن اقتصادنا ومجتمع الأعمال لدينا سيستمر في العمل تحت أي نوع من العقوبات. فروسيا دولة قوية، بسوق داخلي قوي، وبقدرة على التكيف والوجود في الأسواق العالمية".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY4IA==
جزيرة ام اند امز