بعد مرور قرابة ثلاث سنوات على اندلاع حرب أوكرانيا عام 2022، دخل الاتحاد الأوروبي المواجهة إلى جانب أمريكا، مراهنا على سقوط روسيا جراء العقوبات الاقتصادية والدعم العسكري الكبير لأوكرانيا، في محاولة لإضعاف قدرتها على الاستمرار في مواجهة أوكرانيا.
هنا يُطرح سؤال مهم: هل انتصرت روسيا فعلا أم أن ما جرى مجرد صمود مكلف ألبس موسكو ثوب الانتصار؟
من خلال المنظور العسكري والسياسي، فإنه بمجرد دخول الدب الروسي المواجهة، وبقدرته على قبول التحدي ومواجهة العقوبات الواسعة التي فرضت عليه من خلال الاتحاد الأوروبي وأمريكا يعتبر نجح نجاحا كبيرا، فدولة واحدة صمدت ضد عدة دول، ولو كانت الصورة الداخلية تعكس قليلا الصورة الحقيقية لعمق الخسائر على المستوى الاقتصادي اتجاه كلفة الحرب، لذلك يعتبر هذا الانتصار ليس مطلقا لكنه الأقرب إلى الصمود الاستراتيجي الذي يحول دون السقوط لكنه لا يلغي حجم الخسائر.
فيما الاتحاد الأوروبي كشف من خلال هذه الحرب عن هشاشة الاتحاد المسير من خلال أمريكا وعهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن.
إن أزمة الطاقة التي مرت بها القارة الأوروبية وضربت اقتصادها بشكل مباشر، مثلت تهديدا لاستقرار أسواق النفط والغاز وأدت لارتفاع فاتورة الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، وكشفت عن تهديدات تجاه الحكومات الأوروبية، ربما يكون أخطرها: الانقسام الداخلي بين بعض الدول مثل المجر وسلوفاكيا اللتين أبدتا تحفظات تجاه سياسة المواجهة المفتوحة مع موسكو، وهذا انكشاف ودليل على تصدع الصف الأوروبي، مما طرح تساؤلات في ما يخص رهان الخسارة الأوربية على سقوط روسيا السريع.
هذه الحرب لم تكن مجرد صراع روسي-أوكراني، بل كانت مواجهة مباشرة مع أمريكا والدول أوروبية ضد الروس، وشهدت لحظة مفصلية في إعادة تشكيل القوى والنظام العالمي الذي نتج عنه تحالفات استراتيجية حقيقية؛ فروسيا تحالفت مع الصين، فضلا عن تجدد علاقاتها مع كوريا الشمالية، طارحة نفسها من جديد كدولة مؤثرة في أفريقيا والشرق الأوسط.
على الجهة الأخرى، ظل الاتحاد الأوروبي متمسكا بالمظلة الأمريكية، مما أثار الجدل حول عدم قدرته على امتلاك القرارات السيادية المستقلة لدول أوروبا.
أثبتت موسكو قدرتها على الصمود وإعادة التموضع، حيث لا زالت تمتلك القدرة على التوسع داخل الأراضي الاوكرانية والسيطرة عليها، فضلا عن القوة الاقتصادية والتكنولوجيا ومصادر الطاقة التي تجعل منها طرفاً أساسيا في النظام الاقتصادي العالمي، مما يؤكد حقيقة خسارة الأوروبيين الرهان على سقوط روسيا السريع.
فرغم خسائر روسيا الاقتصادية جراء الحرب لكنها لم تغادر الحلبة، بل حسمت جولة جديدة وانتصرت في لعبة طويلة الأمد مع أوروبا، وأعطت إشارة للعالم لنهاية الهيمنة الغربية التقليدية نحو عالم متعدد الأقطاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة