عبَّر، قبل يومين، الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن تأثير العقوبات الدولية على بلاده وذلك في مقابلة بثها التلفزيون الإيراني، وقال إن العقوبات تحد من حضور بلاده دولياً وتؤدي لاضطراب العلاقات مع القوى الشرقية.
ومع اتفاقي لما قاله الرئيس بحكم المتابعة الإعلامية للشأن الإيراني فإنه بإمكاني إضافة تأثير تلك العقوبات كذلك على الوضع المعيشي للشعب الإيراني، فهو كباقي شعوب العالم يتطلع إلى الأمل والمستقبل.
هناك شبه اتفاق على أن أمام النظام الإيراني في مرحلة ما بعد حرب الـ12 يوما التي حدثت في يونيو الماضي طريقة وحيدة كي يتجنب تلك التأثيرات ويبعث بالأمل للشعب الإيراني ولجيرانه لأن أي تطورات سلبية على إيران ستنعكس على دول المنطقة كلها وهذه الطريقة هي: التجاوب مع الإرادة الدولية وعدم المكابرة واستخدام لغة التهديد والوعيد لأن هناك توجها عالميا لنزع فتيل الأزمات في المنطقة والعالم.
وكما يبدو من المعطيات على الأرض هناك تركيز كبير على إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة وبالتالي فالمطالبات الدولية بما فيها مطالبات (الترويكا الأوروبية) جزء من عملية استدراج إيران إلى فخ سياسي.
إن حديث عودة الحرب مع إسرائيل يسيطر على المجال العام ليس في إيران فقط ولكن في العديد من دوائر صناعة القرار وبين المحللين في وسائل الإعلام؛ حيث عاد الملف النووي ليكون القضية الأولى في العالم، رغم وجود صراعات أخرى وتفاقمها في أكثر من منطقة بالعالم.
ورغم إعلان الصين المفاجئ عن تحسين علاقاتها مع الهند وإدارة الحدود إلا أن ذلك لم يجعل الملف النووي الإيراني يتراجع عن المقدمة. بل هناك تقديرات إعلامية بأن "حيز" المناورة الإيرانية في التهرب من الاستحقاقات الدولية خلال هذه الفترة بات ضيقا جداً إن لم يكن شبه معدوم بعد أن دخلت دول "الترويكا الأوروبية" فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا ضمن المجموعة التي تهدد بإعادة تطبيق العقوبات ضد إيران فيما يُعرف (السناب-باك) بموجب القرار الدولي 2231 لعام 2015.
صحيح أن إيران بدأت رحلة البحث عن طوق النجاة من تفعيل العقوبات التي ستصبح نافذة في 27 سبتمبر الحالي من خلال الاستعانة بحليفيها روسيا والصين ولكن خياراتها هذه المرة تبدو محدودة لأن القرار لا يحتاج إلى التصويت له في مجلس الأمن وإنما يتم تفعيله آلياً وتشمل تلك العقوبات جوانب عسكرية وبعضها مدنية مثل نقل التكنولوجيا وخدمات مالية وحظر السفر لبعض المسؤولين.
لكن عودة الملف النووي مرة ثانية للسطح إلى مرحلة ما قبل اتفاق عام 2015 يفسر عن وجود مشكلة في عدم فهم قادة إيران بأوضاع السياق الدولي ومتغيراته، وربما هذا بسبب اقتصار التفكير السياسي من الزاوية الأيديولوجية الدينية التي لا علاقة لها بالعلاقات الدولية.
يبرر الأوروبيون موقفهم المتصلب من إيران بوجود حالة من الغموض في حقيقة البرنامج النووي الإيراني، مستغلين في ذلك الوضع الاستراتيجي الذي وصلت إليه إيران في عدم القدرة على ممارسة استراتيجية "شراء الوقت" أو ما يعرف بدبلوماسية "صانع السجاد" لأن الاستحقاقات الدولية على إيران حان وقتها حسب الاتفاق. ومستغلين أيضاً أن نظام ولاية الفقيه بات في عين العاصفة بوجود شخصية غير سياسية في البيت الأبيض دونالد ترمب ولا يمكن توقع ردة فعله.
بالإضافة إلى وجود حكومة يمينية في إسرائيل لديها رغبة في إعادة الحرب مع إيران. وهو ما يتطلب من قادة إيران تغيير سلوك التعامل وفق المعطيات الجديدة في المنطقة تجنباً لأي تداعيات على الاستقرار وأمن المنطقة.
لدينا ثلاثة أمثلة أو سيناريوهات للتعامل الغربي مع الملفات النووية في المنطقة وهي في الوقت نفسه يمكن اعتبارها دروسا يمكن الاستفادة منها في التعامل الإيراني مع المجتمع الدولي. المثال الأول: البرنامج النووي الليبي في عهد الزعيم معمر القذافي الذي عاند في البداية ولكنه أدرك النتيجة فاستسلم في الأخير وقبل بتدمير البرنامج النووي وأن يتحمل تكلفة تدميره. والمثال الآخر نظام صدام حسين فرغم أن برنامجه كانت "كذبة كولن باول" وزير الخارجية الأمريكي وقتها إلا أن الرأي العام أدرك متأخراً أن تعنت الرئيس صدام حسين هو سبب الكارثة التي يعيشها العراق.
أما المثال الثالث والأخير فهو كوريا الشمالية الدولة التي اختارت البرنامج النووي مقابل تجويع شعبها وأعتقد أن مثل هذا السيناريو ليس في صالح النظام الإيراني. ليت الإيرانيون يتعلمون من واحدة من تلك الأمثلة لأن القلق من تطورات الوضع لسيناريوهات لا تخطر على بال متخذي القرار في طهران.
بعد هجوم يوم 13 يونيو 2025 دخلت إيران الملعب السياسي في المنطقة في الوقت الضائع لأسباب عديدة أبرزها أن العقدة النفسية في الهجوم على إيران لم تعد موجودة، وأن الأذرع العسكرية التي كانت تنوب إيران في إشغال إسرائيل اختفت، وأن الأوروبيين الذين ساعدوا إيران في فترات ماضية خاصة فرنسا اليوم هم ضمن السياق الذي يسعى لتهدئة المنطقة من الأزمات وبالتالي فـ"الأهداف السياسية" التي تسجلها إيران خلال الفترة من الآن إلى 27 سبتمبر القادم أهداف غير محسوبة!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة