روسيا وجبهة جورجيا.. هل يهز حديث الحرب التوازن الهش؟
تصريحات روسية هزت وضع التوازن الهش في العلاقات مع جورجيا، وأثارت احتمالية فتح جبهة قتال جديدة، لكن هل هي كلامية أم حقيقية؟
دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، فجّر مفاجأة كبيرة، بقوله إن بلاده قد تضم إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الانفصاليين في جورجيا.
وكتب ميدفيديف وهو رئيس روسي سابق حكم البلاد بين عامي 2008 و2012، في مقال نشرته صحيفة "أرجومنتي إي فاكتي" الروسية، مساء الثلاثاء: "فكرة الانضمام إلى روسيا لا تزال تحظى بشعبية في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية".
ومع استمرار روسيا في حربها ضد أوكرانيا المجاورة، يرى ميدفيديف أن انضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) سوف يكون وسيلة "لخلق بؤرة أخرى للتوتر بالقرب من الحدود الروسية".
وعلى مر السنوات الماضية، أعربت جورجيا مرارا وتكرارا عن اهتمامها بالانضمام إلى كل من الناتو والاتحاد الأوروبي.
وفي عام 2008، وجد استفتاء وطني أن 77% من الناخبين يؤيدون انضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي.
وفي أعقاب الاستطلاع، أصدر التحالف العسكري استنتاجات قال فيها إن جورجيا ستصبح عضواً في نهاية المطاف، لكن التقدم في عملية الانضمام توقف منذ ذلك الحين.
غير أن حقيقة الموقف الروسي من المنطقتين الجورجيتين، أبعد عن العنوان المثير الذي طرحه ميدفيديف.
فإن كان موقف الدولة الروسية منذ عقود هو توفير الحماية للمنطقتين إذا شعرت أنهما يتعرضان لخطر، فإنها تملك في الوقت الحالي علاقات جيدة مع جورجيا تمنع ذلك، وفق مراقبين.
أصل الحكاية
الرئيس الروسي السابق لم يمض قدما في مسار تأكيد ضم المنطقتين لبلاده، إذ عاد وقال في نفس المقال، "نحن لا نحتاج إلى تكرار التاريخ في عام 2008.. إننا نظل على استعداد لحل المشاكل على طاولة المفاوضات بروح ميثاق الأمم المتحدة".
وإذا ما تم تفكيك حديث ميدفيديف، سنجد أنه لا يقصد حربا بالمقام الأول، لأن روسيا تسيطر بالفعل على المنطقتين منذ عام 2008، وتعترف بهما كمنطقتين مستقلتين، تماما مثلما حدث مع إقليمي دونيتسك ولوهانسك وغيرهما في أوكرانيا خلال الحرب الجارية
أما خطوة الضم التي يتحدث عنها ميدفيديف، فتعني ضم المنطقتين الخاضعتين لسيطرة موسكو بالفعل، إلى الاتحاد الروسي، عبر استفتاءات، مثلما حدث في أربع مناطق في أوكرانيا في وقت لاحق من الحرب أيضا.
وأعلنت روسيا في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، ضم 4 مناطق من أوكرانيا، هي دونيتسك ولوهانسك وخيرسون وزابوريجيا، لكن عمليات الضم لا تحظى باعتراف دولي.
وتحتفظ روسيا بوجود عسكري وقواعد حربية في إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الانفصاليين على أساس اتفاقيات أبرمتها مع هذين الكيانين دون موافقة جورجيا.
وفي حين تعترف روسيا وعدد قليل من الدول الأخرى بهذه الكيانات كدول مستقلة، فإن الأغلبية الساحقة من الدول تعتبرها جزءا من أراضي جورجيا المعترف بها دوليا.
وتمارس روسيا أيضًا سلطتها على المنطقتين من خلال سيطرتها الشاملة على الجماعات المسلحة الانفصالية فيها، وفق تقرير الحرب الصادر عن جامعة جنيف.
هل تريد روسيا حربا؟
رامي القليوبي أستاذ الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو قال لـ"العين الإخبارية"، إنه "لا يجوز قراءة تصريحات ميدفيديف حرفيا لسببين، الأول أنه أدلى بهذا التقدير في مقال كتب بمناسبة ذكرى مرور 15 عاما على الحرب في جورجيا وأكد أن عملية الضم ستتم فقط في حال وجود أسباب جدية".
وأضاف "السبب الثاني، ميدفيديف ليس رئيسا أو رئيسا لهيئة الأركان أو وزيرا للدفاع أو حتى وزيرا للخارجية حتى تكون تصريحاته تعبر عن الموقف الرسمي بنسبة 100%، وإن كانت تدور في إطار التوجه العام لدى الدولة الروسية".
وأوضح "عمليا، أنا أستبعد احتمال الضم، لأن روسيا مشغولة الآن بالحرب في أوكرانيا والعقوبات التي يفرضها الغرب، بينما تتحسن علاقات موسكو مع جورجيا بشكل مستمر".
مستطردا "كان لجورجيا السبق بين الدول التي تنتمي للدول الغربية في استئناف حركة الطيران مع روسيا، وأصبحت محطة ترانزيت للروس في طريقهم إلى أوروبا".
ولفت إلى أنه "إذا أقدمت روسيا على ضم أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، فإن هذا الأمر سيزيد العلاقات الجورجية الروسية سوءا.. والواضح الآن أن الوضع الراهن يناسب الجميع".
القليوبي أشار أيضا إلى أن "الوضع الراهن هو تجميد النزاع في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا"، وتابع: "صحيح لم يعترف بهما العديد من الدول، لكن في الوقت نفسه الوضع هادئ".
ونوه بأن "جورجيا تتبع منذ 2013، سياسة التطبيع الاقتصادي البرجماتي مع روسيا".
تاريخ الصراع
أعلنت أوسيتيا الجنوبية، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 35500 نسمة، استقلالها رسميًا عن جورجيا خلال الصراع المسلح بين القوات الجورجية والقوات الانفصالية في أوسيتيا الجنوبية في الفترة بين 1991-1992، أي بعد استقلال جورجيا عن الاتحاد السوفيتي مباشرة.
وانتهى الصراع في صيف عام 1992 عندما اتفقت الأطراف المتحاربة على نشر قوات حفظ السلام مشتركة ضمت قوات روسية.
وعلى غرار أوسيتيا الجنوبية، خاضت أبخازيا صراعا انفصاليا مع جورجيا في الفترة بين 1992 و1994.
وأعلنت أبخازيا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 250 ألف نسمة، استقلالها ضمنيا من خلال نشر دستورها الخاص في عام 1994.
وانتهى الصراع الجورجي الأبخازي بتوقيع ما يسمى باتفاق موسكو في عام 1994، والذي شمل أيضا نشر قوة حفظ السلام.
بين عامي 1993 و2008، أشار عدد كبير من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى "أبخازيا كجزء من جمهورية جورجيا"، وأكدت سيادة جورجيا وسلامة أراضيها.
ورغم أن أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية أصبحتا رسميا جزءا من جورجيا بعد اتفاقات السلام، إلا أنهما كانتا تحت سيطرة الحكومات الانفصالية في هذه الفترة.
لكن بعد فترة قصيرة من القتال المتجدد بين القوات الجورجية وقوات أوسيتيا الجنوبية، دخلت القوات الروسية إلى أراضي الأخيرة، في 8 أغسطس/آب 2008.
وسرعان ما شاركت القوات الأبخازية في القتال. وأثناء تدخل موسكو، تحركت القوات الروسية إلى ما وراء الحدود التقليدية لأوسيتيا الجنوبية وشنت ضربات بالقرب من العاصمة الجورجية.
إلا أن الحرب انتهت بسيطرة موسكو على كامل أراضي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، واعترافها بهما جمهوريات مستقلة، وتواجدها العسكري موجود فيهما منذ ذلك الحين.
ومنذ عام 2008، اعترفت روسيا ونيكاراغوا وفنزويلا وناورو وسوريا فقط باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.
فيما تعتبر روسيا أن سكان الإقليمين موالون لها، وتقول إن المنطقتين "تعرضتا لانتهاكات وتميز في إطار الدولة الجورجية"، ولذلك تدخلت لحمايتهم.