الحضور الروسي في الشرق الأوسط.. لعبة التناقضات التي احترفها بوتين
قفز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ببراعة من خنادق القتال إلى ساحة السياسة، ليدشن عهدا جديدا تلعب فيه بلاده دور الضامن للسلام.
قفز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ببراعة من خنادق القتال الضيقة في الشرق الأوسط إلى ساحة السياسة، ليدشن عهدا جديدا تلعب فيه بلاده دور الضامن للسلام، بعد أن فرض واقعا جديدا بقوة السلاح وأزاح الولايات المتحدة إلى خلفية المشهد.
وقبل عامين فقط، لم يكن لروسيا أي وجود يذكر في الشرق الأوسط، بخلاف قاعدة بحرية في سوريا وكان بوتين قاب قوسين أو أدنى من أن يشاهدها تتبخر بعد أن حاصرت قوى الثورة السورية عاصمة حليفه بشار الأسد.
لكن بوتين الذي يجيد قراءة مصالح وأولويات السياسة الخارجية الروسية بسرعة مدهشة، بالإضافة لقدرته على توفير الموارد المناسبة لتحقيق تلك المصالح بحسب أمير هاندجاني، زميل الباحثين بمشروع ترومان للأمن القومي، لم يتردد في الاندفاع إلى الساحة السورية والانخراط في القتال إلى جوار إيران والميلشيات المتحالفة معها.
وبالنظر لتاريخ آخر تدخل لروسيا في الشرق الأوسط، والذي يعود إلى يونيو/ حزيران 1772، يمكن إدراك حجم المغامرة الذي أقدم عليها القيصر الروسي في 30 سبتمبر/ أيلول، 2015، حينما بدأ طيرانه في شن غارات على فصائل المعارضة السورية المسلحة، قبل أن ينخرط أكثر وأكثر في الحرب.
واستغل بوتين بحسب مراقبين تردد صانع السياسة الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وعزوفه عن التدخل المباشر في الحرب، معتمدا على استجداء نظام الأسد المتداعي، وقفز من الساحة الخلفية للشرق الأوسط قبل أن يخوض في الدم السوري عابرا إلى صدارة المشهد على أنقاض مدينة حلب السورية.
ووفقا لوالتر راسل ميد من "ذا أميركان انتريست"، فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وصل إلى السلطة وفي جعبته مجموعة من الأفكار التي تهيمن حاليا على تفكير الديمقراطيين الليبراليين؛ فهو يؤمن بأن نشر الديمقراطية والالتزام بحقوق الإنسان وسيادة القانون هي الوسيلة الوحيد لتحقيق المصالح الأميركية والحيلولة دون وقوع حروب جديدة مدمرة، كما أنه كان ضد السياسات التدخلية للولايات المتحدة.
وعبر مناورة بارعة استغل خلالها أكراد سوريا، نجح الرئيس الروسي في تليين الموقف التركي ودفعها دفعا للتحالف معه، رغم التصعيد غير المسبوق بين أنقرة وموسكو بعدما قامت أنقرة بإسقاط مقاتلة روسية خلال العام الماضي.
وأدار بوتين التحالف بين بلاده وتركيا وإيران، كما استطاع الحفاظ على علاقة ناجحة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو رغم ذلك، وهو ما وفر له غطاء آمنا في الشرق الأوسط.
ويرى هنري كيسنغر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، أن روسيا كانت تتبع دائما ذلك الإيقاع الخاص على مدار القرون حيث كانت تتوسع ثم تواجه بعقبات ولكنها تعود مرة أخرى كموجات المد التي تمتد إلى الشاطئ، وبالرغم من أن الظروف تغيرت من بطرس الأكبر إلى فلاديمير بوتين فإن الإيقاع مازال ثابتا.
فيما تقول إميلي سيمسون من "فورين بوليسي: "إن بوتين كان يرغب في تحدي فكرة القطب الأمريكي الأوحد والعودة إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، وبالرغم من تدخلات بوتين في جورجيا وأوكرانيا، كان يبدو أنه لا يرغب في توسيع دائرة الحرب من خلال الاعتداء على دور أوروبا الشرقية التي تحظى بعضوية حلف شمال الأطلسي، ومن ثم بدا الشرق الأوسط مسرحا ملائما يستطيع من خلاله بوتين أن يحد من النفوذ الغربي ويؤسس قوة بدون التعرض لخطر إثارة غضب الغرب.
لكن يعول عدد من الساسة الغربيين على قول مأثور لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل: "سوف يجرب الروس كافة غرف المنزل ويدخلون تلك الغرف غير المغلقة وعندما يصلون إلى غرفة لا يمكن دخولها سوف ينسحبون ويدعونك على العشاء بود".
aXA6IDMuMTQ1LjExMC45OSA= جزيرة ام اند امز