ثلاث خطوات.. أوروبا تقترب من «فطامها» العسكري عن واشنطن

دفع التحول الصادم في السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا وحلفائها وروسيا، القادة الأوروبيين إلى إجراء تقييم أساسي لمتطلباتهم الأمنية.
فالأيام التي يمكن فيها افتراض الثقة في الحوار والاعتماد على الولايات المتحدة قد ولت، بحسب إيفو دالدر، السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي، الذي أكد أن أوروبا بحاجة في الوقت الراهن إلى تحمل مسؤولية دعم أوكرانيا والدفاع عن نفسها.
وقد تجلَّى هذا التوجه بشكلٍ واضح خلال الاجتماع الطارئ للمجلس الأوروبي في 6 مارس/آذار، الذي تمخض عن اتفاقٍ لتمويل تعزيز البنية الدفاعية الأوروبية ودعم كييف عسكريًّا.
إلا أن المال وحده لا يكفي لتحقيق الأمن والاستقرار، فالسؤال المحوري الذي لا يزال يتعين على الأوروبيين الإجابة عنه هو كيفية ضمان أمن أوكرانيا في ظل غياب الدعم الأمريكي المعهود، وكيفية تحمل المسؤولية الرئيسية عن الدفاع عن قارتهم.
هدفان يتطلب تحقيقهما وقتًا وجهدًا كبيرين، بل قد يستغرق الأمر سنوات لإنجازهما بالكامل. وفي ظل هذه الظروف، يرى دالدر في مقال له بمجلة فورين بوليسي، أنه على الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد لا تترك لأوروبا خيارًا سوى المضي قدمًا بمفردها، فإنه من المستحسن أن يقدم القادة الأوروبيون للولايات المتحدة عرضًا يصعب رفضه.
وينبغي أن يتضمن هذا العرض عنصرين أساسيين: أولًا، التزامًا بنشر قوة تطمين كبيرة في أوكرانيا بهدف منع وقوع هجمات روسية مستقبلية، كجزء من أي اتفاق لوقف الأعمال العدائية. وثانيًا: وضع جدول زمني واضح ومحدد لنقل المسؤولية الرئيسية عن الدفاع عن أوروبا إلى عاتق الأوروبيين أنفسهم.
3 مراحل
على المدى الطويل، يرى دالدر أن أوروبا تحتاج إلى تحمل المسؤولية الرئيسية عن الدفاع عن قارتها. فقد أدت عقود من نقص الاستثمار الأوروبي في القدرات الدفاعية إلى جعل أوروبا غير مستعدة للاضطلاع بدور قيادي في هذا المجال.
ولذلك، يرى ضرورة التزام الحلفاء الأوروبيين بوضع جدول زمني واضح ومحدد لنقل المسؤولية عن الدفاع عن أوروبا من الولايات المتحدة إلى أوروبا نفسها، وذلك من خلال اتخاذ ثلاث خطوات رئيسية.
أولاً: بحلول نهاية عام 2025، يجب على القوات الأوروبية أن تحل محل 20000 جندي أمريكي تم نشرهم في أوروبا في أعقاب العملية الروسية بأوكرانيا في عام 2022. ومع ذلك، فإن هذا الالتزام ينطبق فقط إذا لم يتم نشر أي قوات أوروبية في أوكرانيا، لأنها لا تمتلك القوات اللازمة للقيام بالأمرين معًا في الإطار الزمني المقترح.
ثانيًا: بحلول نهاية هذا العقد، ينبغي أن تغطي دول الناتو غير الأمريكية 70 إلى 80% من متطلبات قوات الرد السريع لحلف الناتو. يشمل ذلك القدرة على نشر 75,000 جندي في غضون 10 أيام، و225,000 جندي في غضون 30 يومًا، و400,000 جندي في غضون ستة أشهر. يجب أن تكون جميع هذه القوات جاهزة ومدربة ومجهزة بالكامل لعمليات قتالية عالية الكثافة.
وبحلول نهاية عام 2032، سيقوم حلفاء الناتو غير الأمريكيين بشراء ونشر 75% من جميع القدرات الاستراتيجية المتقدمة المطلوبة. وقد قدمت الولايات المتحدة على مدى عقود الجزء الأكبر من هذه القوات الحاسمة للناتو - بما في ذلك النقل الجوي الثقيل والتزود بالوقود الجوي والمعلومات الاستخباراتية ومعلومات الاستهداف والمراقبة والاستطلاع المتقدمة، والدفاعات الجوية، والصاروخية المتكاملة.
ولتحمل المسؤولية الرئيسية عن الدفاع عن أوروبا، يحتاج الأوروبيون إلى الاستثمار في الحصول على هذه الأصول الاستراتيجية لتمكين الولايات المتحدة من إعادة نشرها في حالات طوارئ أخرى.
التزامات أمريكية
عند تقديم هذه الالتزامات، من المهم أن توافق الولايات المتحدة أيضًا على عدة التزامات من جانبها. أولاً: التزام واشنطن بانتقال تدريجي ومنظم على مدى 5 إلى 10 سنوات، بحيث يتم سحب القوات والقدرات الأمريكية فقط عند توفر البدائل الأوروبية. كما ينبغي أن تواصل الولايات المتحدة المساهمة بجزء من عبء الدفاع الجماعي، ولو كان أقل مما كان عليه في الماضي.
ثانيًا: احتفاظ الولايات المتحدة بالقيادة العليا للناتو، من خلال استمرار قيادة القادة العسكريين الأمريكيين للهيكل القيادي للحلف، لضمان التماسك والفعالية.
وأخيرًا: استمرار التزام الولايات المتحدة بتوفير الردع النووي لحلف الناتو، بما في ذلك نشر الأسلحة النووية الأمريكية في أوروبا كجزء من ترتيبات تقاسم الأسلحة النووية داخل الحلف.
وخلص الكاتب إلى أن الوقت قد حان لعقد صفقة جديدة عبر الأطلسي - صفقة تتحمل فيها أوروبا المسؤولية الرئيسية عن الأمن في القارة وحيث تمكن الولايات المتحدة أوروبا وتتيح لها القيام بذلك.
وقد لا يكون البيت الأبيض في مزاج لقبول هذا الجدول الزمني لنقل المسؤولية، لكن الموافقة عليه ستعزز التزام أوروبا بأمنها وعلاقة متجددة عبر الأطلسي.