الناتو يستعد لـ«تحالف ما بعد أمريكا».. مؤشرات وصعوبات

لم يعد الأمر مجرد «محيط كبير وجميل» يفصل الولايات المتحدة عن حلفائها الأوروبيين، كما وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بل باتت واشنطن هي من تفصل نفسها عنهم في الذكرى الثالثة لحرب أوكرانيا.
ووفق موقع «أكسيوس» الأمريكي، فقد ألقت إدارة ترامب بظلال من الشك ليس فقط على كييف التي تعاني من الحرب، ولكن أيضًا على قارة بأكملها كانت تعتبر أمريكا شريكها الأقوى وحاميها لعقود.
- «الناتو» وسلام أوكرانيا المحتمل.. ضمانات أوروبا بحاجة لدعم أمريكا
- ترامب والانسحاب من «الناتو».. شائعات تجدد الاحتمالات
هذا التوتر تصاعد بعد محادثات أمريكية-روسية حول أوكرانيا في السعودية، حيث لم يُمنح أي مقعد لممثلين عن أوكرانيا أو أوروبا.
وتفاقم هذا التوتر بعد وصف ترامب للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه «ديكتاتور بلا انتخابات»، مما أدى إلى تدهور غير مسبوق في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، وبالتالي إضافة شرخ جديد بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين.
ومع دخول الحرب عامها الرابع، لم تعد أمريكا متماشية مع القضية الأوكرانية أو مع حلفائها في الناتو، مما دفع القادة الأوروبيين إلى الاستعداد لتحالف دفاعي جديد بعيدًا عن النفوذ الأمريكي.. فهل يستطيعون إعادة بناء أمنهم الجماعي دون الاعتماد على واشنطن؟
كيف تستعد أوروبا؟
فريدريش ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي والمرشح الأوفر حظًا لتولي منصب المستشار الألماني بعد فوزه في الانتخابات، صرح بأن «أولوية حكومته ستكون تقوية أوروبا بأسرع وقت ممكن لتحقيق استقلال حقيقي عن أمريكا».
كما أصدر تحالف من الأحزاب السياسية المؤيدة لأوروبا في البرلمان الأوروبي بيانًا مشتركًا، الثلاثاء، أكد فيه أن «أوروبا لم تعد تستطيع الاعتماد بشكل كامل على أمريكا لحماية قيمنا ومصالحنا المشتركة».
هذه التصريحات، التي كانت غير واردة سابقًا، تماشت مع دعوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يزور واشنطن، لتعزيز «الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي».
وخلال الفترة الرئاسية الأولى لترامب، لم يكن العديد من القادة الأوروبيين يأخذون هذا المفهوم على محمل الجد، لكن الآن أصبح ضرورة ملحة وسط أكبر صراع عسكري في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
زكان ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، من بين القادة الأوروبيين الذين أعلنوا استعدادهم لزيادة الإنفاق الدفاعي مع تراجع الدعم الأمريكي.
ستارمر أكد استعداده لإرسال قوات بريطانية إذا لزم الأمر لضمان أمن أوكرانيا، لكنه شدد أيضًا على أن «الدعم الأمريكي سيظل ضروريًا».
وأفادت وكالة أسوشيتد برس أن القادة الأوروبيين يناقشون نشر «قوة طمأنة» في أوكرانيا بعد الحرب، لمنع أي عدوان روسي متجدد.
وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث أوضح أن القوات الأمريكية لن تشارك في أي مهمة من هذا النوع، لكن ترامب أعرب عن انفتاحه على الفكرة في مكالمة مع زيلينسكي، بحسب تقرير لـ«أكسيوس».
مشكلة
لكن عدم وضوح الموقف الأمريكي، إلى جانب تصريحات ترامب المتكررة التي تعكس أحيانًا وجهة نظر الكرملين، قد يفشل أي مفاوضات لإنهاء الحرب بطريقة تصب في مصلحة أوكرانيا، وفقًا لدانييل فريد، السفير الأمريكي السابق في بولندا ومساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية.
فريد حذر من أنه «بدلًا من التفاوض من موقع قوة وإجبار روسيا على التراجع، يبدو الأمر وكأنه اتفاق يجعل أوكرانيا تابعة لتفاهم أمريكي-روسي».
ترامب هاجم زيلينسكي مرارًا، وأصر على ضرورة إجراء انتخابات في أوكرانيا، كما عارض بيانًا لمجموعة السبع وصف روسيا بأنها المعتدية في الحرب.
ويوم الإثنين، كانت أمريكا واحدة من 18 دولة فقط صوتت ضد قرار الأمم المتحدة الذي وصف روسيا بـ«المعتدية».
صعوبات
واتهمت إدارة ترامب بقيادة نائب الرئيس جي دي فانس، أوروبا بـالاعتماد على القوة الأمريكية لعقود دون المساهمة الكافية في أمنها.
وبينما سترحب واشنطن بأي استثمار أوروبي أكبر في الدفاع، فإن التباعد المتزايد بين ضفتي الأطلسي قد يؤدي إلى توترات جديدة.
ويدرك الحلفاء الأوروبيون أنهم سيواجهون صعوبة في تعويض الدعم الأمريكي لأوكرانيا، ناهيك عن ضمان أمن القارة بالكامل.