بوتين وتسليح «أعداء الغرب».. «العين الإخبارية» ترصد ما وراء التهديد
من مربع لآخر تتدحرج كرة التصعيد بين روسيا والغرب منذ بداية الحرب الأوكرانية، لتصل إلى محطة تسليح "أطراف ثالثة" أو ربما حروب بالوكالة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدد، الأربعاء، بتقديم أسلحة لـ«دول ثالثة» تستخدمها لضرب مصالح الغرب، في حال أجاز الأخير لأوكرانيا أن تضرب بلاده بصواريخ بعيدة المدى.
"تغيير كبير"
رغم أن تصريحات بوتين جاءت في سياق الرد على المساعي الغربية، فإن ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس السابق الذي برز كأحد أكثر صقور الكرملين صراحة، قال أمس الخميس، إن كلمات بوتين تمثل ”تغييراً كبيراً جداً“ في السياسة الخارجية الروسية.
وتابع: "دعوا الولايات المتحدة وحلفاءها يشعرون الآن بالاستخدام المباشر للأسلحة الروسية من قبل أطراف ثالثة".
وأضاف: "هؤلاء الأشخاص أو المناطق التي لم يسمها بوتين عن قصد، يمكن أن يكونوا أي شخص يعتبر بيندوستان (كلمة روسية مهينة للولايات المتحدة) ورفاقها أعداء".
وتحدث عما سماه ”منشآت حساسة“ تابعة للولايات المتحدة وحلفائها تحترق بعد تعرضها للقصف بصواريخ روسية أطلقتها ”أطراف ثالثة“، قبل أن يستطرد”سنفرح بضرباتهم الناجحة بأسلحتنا ضد أعدائنا المشتركين“.
"ليس جادا"
بيد أن الخبير الإيطالي دانييلي روفينيتي، لا يرى التهديد الروسي جادا، إذ قال في حديث لـ"العين الإخبارية": "منذ شهور، تهدد روسيا بتصعيدً معين إذا زادت دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) من مساعداتها لأوكرانيا. ولم يحدث ذلك أبدًا، وعلى الأرجح لن يحدث، لأن موسكو تخشى الخطوات التالية التي قد يتخذها الحلف".
روفينيتي بدا مقتنعا باحتمال تحول التوتر الحالي بين الروس والغرب إلى حريق كبير، لكنه اعتبر أن "التصعيد لا يناسب موسكو أولاً. لا أحد يسعى للتصعيد".
وتبادُل إرسال الأسلحة لأطراف ثالثة ليس التصعيد الأول من نوعه بين الروس والغرب منذ بداية الحرب بأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، إذ سبقه تلويح بوتين بالأسلحة النووية أكثر من مرة، آخرها قبل شهر.
والشهر الماضي، أمر بوتين بإجراء مناورات نووية في وقت قريب، وذلك رداً على "تهديدات" وُصفت بالمستفزة من قادة غربيين لموسكو بنشر قوات في أوكرانيا.
وقصدت روسيا بـ"الاستفزازات الغربية" حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن احتمال إرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا، بالتزامن مع إعلان وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون تأييده السماح لكييف باستخدام أسلحة بريطانية لضرب أهداف في الأراضي الروسية.
وخلال لقائه مندوبي وكالات أنباء أجنبية، قبل يومين، قال بوتين: "إذا كان أحد يعتقد أنه يمكن تقديم أسلحة مماثلة في منطقة المعارك لضرب أراضينا، فلماذا لا يكون لنا الحق في إرسال أسلحتنا من الطراز نفسه إلى مناطق في العالم توجه فيها ضربات إلى منشآت حساسة تابعة للدول التي تتحرك ضد روسيا؟".
جاء ذلك بعد أسابيع من نقل وكالة رويترز عن مصادر مطلعة قولها إن الرئيس الأمريكي جو بايدن أذن لكييف بإطلاق بعض الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة على أهداف عسكرية داخل روسيا.
لكن لا تزال واشنطن تحظر على كييف ضرب روسيا بأسلحة ”أتاكسم“ التي يصل مداها إلى 186 ميلًا (300 كم)، وغيرها من الأسلحة بعيدة المدى التي زودتها بها.
"حروب بالوكالة"
حديث بوتين عن تسليح "أطراف ثالثة" يُعد الأخطر في محطات التصعيد السابقة، إذ ينطوي على مخاطرة إعادة التاريخ إلى الخلف،وتحديدا إلى فترات الصدام المباشر بين القوى العظمى في الحروب العالمية أو الصدام غير المباشر في فترة الحرب الباردة (١٩٤٥-1991).
رامي القليوبي الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق بموسكو، يرى أن بوتين ربما قصد "إيران وغيرها" بحديثه عن تسليح أطراف ثالثة، لكنه لا يؤيد الحديث عن احتمالية أن يقود مثل هذا التحرك، إلى حرب عالمية ثالثة.
وقال القليوبي لـ"العين الإخبارية": "لا مجال للحديث عن حرب عالمية ثالثة، وغالبا ما سيحدث في الفترات القادمة هو الحروب بالوكالة والمواجهات بأيادي الآخرين، مثلما كان يحدث في الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب".
ولفت الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق بموسكو، إلى أن الحروب بالوكالة كانت شائعة خلال الحرب الباردة، لأن القوى العظمى المسلحة نوويا؛ الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، لم تشأ أن تدخل صداما مباشرا مدمرا، لأنه يتضمن المخاطرة بنشوب حرب نووية، لذلك استخدما الوكلاء في الصراعات في مناطق مختلفة من العالم.
وبالنسبة للمحلل السياسي الأمريكي، مهدي عفيفي، فإن تصريح بوتين عن تسليح أطراف ثالثة "يأتي في سياق استخدام أوكرانيا أسلحة طويلة المدى لضرب العمق الروسي"، قبل أن يضيف "لكن لا أعتقد أن هذا سيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة".
وأكمل في حديث لـ"العين الإخبارية": "أعتقد أن هذا التصعيد سيكون حربا بالوكالة أو مناوشات، لكن في هذا الوقت لا تسعى الولايات المتحدة أو روسيا أو أي دولة لتوسيع رقعة الحرب لتصل إلى حرب عالمية ثالثة".
عفيفي فسر ذلك بأن "توسع الحرب الحالية في أوكرانيا سينجم عنه آثار اقتصادية موجعة على العالم بأثره"، مضيفا "لذلك، لا أعتقد أن اتساع رقعة الحرب سيصل بنا إلى حرب عالمية".
وختم مستدركا: "لكن قد يكون هناك بعض الإمداد من روسيا لدول (معادية للغرب) بأسلحة معينة، واستمرار إمداد الغرب لأوكرانيا بأسلحة متطورة".
aXA6IDMuMTM1LjIwMC4xMjEg جزيرة ام اند امز