تمرد فاغنر في روسيا.. 3 سيناريوهات و5 تداعيات محتملة
في المساحة العالقة بين المفاجئة والصدمة تقبع التحليلات الأولية لتمرد مجموعة فاغنر في روسيا، لكن قليلا من التحليلات قفزت إلى التنبؤ.
ومنذ الساعات الأخيرة من مساء الأحد تخوض مجموعة فاغنر تمردا عسكريا كان موجها ضد القيادات العسكرية في البداية، قبل أن يطال الرئيس فلاديمير بوتين بعد نعت الأخير للمجموعة بـ"الخونة" في خطاب متلفز السبت.
بدأ التحول المؤسف للأحداث، الجمعة، عندما اتهم قائد فاغنر، يفغيني بريغوجين الجيش الروسي بمهاجمة معسكر قواته وقتل "أعداد هائلة" من رجاله.
وتعهد بريغوجين بالانتقام، ملمحا إلى أن قواته "ستدمر" أي مقاومة، بما في ذلك حواجز الطرق والطائرات.
وفي وقت لاحق، أعلن الرجل الذي كان مقربا من بوتين ويوصف بـ"طباخ الرئيس"، أن قواته سيطرت على المقر العسكري للقوات الروسية في مدينة روستوف الجنوبية دون إطلاق طلقة واحدة.
وتتناثر أنباء عن نجاح قوات فاغنر في السيطرة أيضا على مدينة فورونيغ، وزحفها نحو موسكو التي تتحصن بخطة طارئة لمكافحة الإرهاب، وتظهر لقطات فيديو على مواقع التواصل، بدء تشييد مواقع قتال حصينة على أطرافها تحسبا لهجوم المجموعة المتمردة.
وأمام ذلك، تحاول السلطات الروسية طمأنة الرأي العام، إذ قال الكرملين إن "بوتين يمارس مهام عمله من مكتبه في الكرملين"، فيما قالت الاستخبارات الروسية إن "محاولة إشعال حرب أهلية في البلاد باءت بالفشل".
وأمام هذه الأوضاع الملتبسة والتي تتابعها عواصم العالم الرئيسية عن كثب، وفق بيانات رسمية، تبرز عدة سيناريوهات لما يجري على الأرض في روسيا، تستعرضها "العين الإخبارية" استنادا لمراقبين، فيما يلي:
١. سيناريو الانقلاب
أول السيناريوهات وأقربها للواقع وفق المعطيات المتوفرة منذ مساء الأحد، خاصة بعد وصف بوتين لحركة فاغنر بـ"الخونة"، وتشبيهه ما يجري بـ"أحداث الحرب الأهلية الروسية بعد الحرب العالمية الأولى"، وبالتحديد عام 1917.
ما يدعم هذا السيناريو هو أن تحرك قوات فاغنر السريع والناجح (حتى الآن) على الأرض بعد ساعات من اتهامها وزارة الدفاع بقصف قواتها في أوكرانيا وقتل عدد هائل من عناصر المجموعة، يوحي وفق مراقبين أن الأمر ليس وليد اللحظة، بل إنه خطة معقدة وضعت على مدار أيام، وفق مراقبين.
كما تظهر مقاطع فيديو تنتشر على منصات التواصل وموقع "تويتر"، أن قوات فاغنر المتحركة على الأرض تملك أنظمة مضادة للطائرات، ما يعكس استعدادا مسبقا لسيناريوهات تصدي السلطات الروسية لزحفها.
الأكثر من ذلك، تقول تحليلات غربية وشهادات روسية تنشر عبر تطبيق تليغرام، إن سرعة تحرك أرتال فاغنر على الأرض والطرق السريعة يربك القوات النظامية ويعقد حتى عملية استهدافها بالطائرات أو الصواريخ.
في المقابل، فإن سلطة بوتين ليست مهددة بمحاولة الانقلاب حتى اللحظة الراهنة، في ظل ولاء قطاع كبير من أجهزة الأمن الروسية له، ما يعني أن نجاح هذه العملية من عدمه في أيدي الأجهزة الأمنية، خاصة الحرس الوطني.
٢. سيناريو "المسرحية"
ويتداول عدد من المراقبين والمتابعين العاديين سيناريو آخر لما يحدث على الأرض، هو سيناريو المشاهد المتفق عليها والمعدة مسبقا، لإعادة ترتيب الوضع الداخلي وإقصاء مراكز قوة من المشهد.
إذ تقول بعض الروايات إن جناح سان بطرسبرغ في هرم السلطة، بقيادة بوتين وزعيم فاغنر، يحاول إقصاد جناح موسكو بقيادة وزير الدفاع سيرغي شويغو، لكن هذه الرواية بدت ضعيفة للغاية بعد أن وجه الرئيس الروسي اتهامات الخيانة لبريغوجين، وانتقاد الأخير للرئاسة.
هذا السيناريو يبدو أكثر ضعفا وسط سيولة الأحداث على الأرض، وزحف فاغنر على موسكو، ورد السلطات الروسية على المجموعة بالطائرات والصواريخ، فضلا عن تفعيل خطة مكافحة الإرهاب لحماية العاصمة الروسية.
٣. سيناريو "الفرصة"
هناك سيناريو ثالث، وهو أن تمرد فاغنر بدأ بشكل عفوي وكنتيجة للصدام بين المجموعة ووزارة الدفاع منذ أشهر، والتي بدأت باتهام زعيم المجموعة للوزارة بعدم توفير الذخيرة لجنوده، ثم بعدم الكفاءة.
لكن القيادة الروسية وجدت في التمرد بعد بدايته العفوية فرصة مواتية إما لتقديم وزارة الدفاع للروس ككبش فداء في الأداء غير المتوقع للجيش في العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا، وإما لتصعيد واسع على الجبهة الأوكرانية كرد على الضغوط الداخلية.
هذا السيناريو المدار وغير المعروف أهدافه (التصعيد أو التراجع عبر تقديم كبش فداء)، يشكل جوهر بعض التحليلات المبكرة لما يجري على الأرض في روسيا.
تداعيات محتملة
وبعيدا عن توصيف ما يجري في روسيا، هناك تداعيات واضحة على الدولة والمجتمع والجيش، لا يمكن التغاضي عنها في هذه المرحلة، وفي حال تصعيد الصراع الداخلي أكثر من ذلك.
أولى هذه التداعيات هو تفتت التماسك العسكري الروسي، وخسارة أحد أهم الأذرع العسكرية (فاغنر) وأكثرها فاعلية على الجبهة في أوكرانيا، ما يعرض العملية العسكرية برمتها لخطر كبير.
ثاني التداعيات هو انتقال المعركة للداخل الروسي وإعلان ما يشبه حالة الطوارئ، ما يبرز بشكل واضح تخبط التخطيط للدائرة القيادية في موسكو، ويعرضها لانتقادات شعبية كبيرة.
ومع استمرار التمرد، يبرز ثالث التداعيات، وهو زيادة الانقسام داخل روسيا وربما يمتد لمحيطها الاستراتيجي مثل روسيا البيضاء وغيرها.
ما ينتج رابع النتائج أو التداعيات وهو تراجع قبضة بوتين على السلطة وتسلل الانقسامات لدائرته الموثوقة، وانضمام البعض منها إلى بريغوجين الذي كان يوصف حتى وقت قريب بأنه مقرب من بوتين.
خامسا، نجاح فاغنر في نقل وجودها إلى قرب موسكو وقرب مناطق غنية بالنفط، قد يقلب موازين المعركة على الجبهة الأوكرانية، سياسيا وعسكريا لصالح أوكرانيا، خاصة مع تزايد الاستعدادات الأوكرانية لاستغلال الأزمة في الداخل الروسي.
aXA6IDE4LjExOS4xNjMuOTUg جزيرة ام اند امز