بعد 30 شهرا على حرب أوكرانيا.. روسيا «مهددة» بظاهرة اقتصادية «مؤلمة»
مخاوف متصاعدة من أن يضرب الخطر المزدوج المتمثل في تباطؤ النمو وارتفاع التضخم (أو الركود التضخمي) الاقتصاد الروسي هذا العام، إذ تؤدي الحرب الأوكرانية إلى تفاقم تباطؤ تعافي الاقتصاد.
في السنوات الأخيرة ارتفع سعر الخبز في روسيا إلى حد بات أوليغ إيفانوفيتش مضطرا إلى الاستغناء عنه في بعض الأيام، لكنه يبدي استعداده للقيام بتضحيات مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.
ويقول المتقاعد البالغ 67 عاما لوكالة فرانس برس في موسكو "إننا نتعايش مع هذا الأمر، وحين تنتهي العملية العسكرية الخاصة ستعود الأسعار إلى مستواها الاعتيادي".
والتضخم الحاد الذي تخطى 9% في أغسطس/آب هومن النتائج المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية التي مر على انطلاقها خلال سنتين ونصف سنة.
وأنفقت السلطات الروسية مليارات الدولارات على الجيش والجنود وعائلاتهم وشركات الأسلحة، ووظفت استثمارات طائلة سمحت لها حتى الآن بالحد من تبعات العقوبات الغربية التي فُرضت على البلاد، بهدف تجفيف مصادر تمويل مجهودها الحربي.
غير أن البنك المركزي الروسي يتحدث حاليا عن خطر جديد يهدد الاقتصاد الوطني، وهو الركود التضخمي.
حذّرت مديرته إلفيرا نابيولينا في يوليو/تموز بأن "نقص (اليد العاملة) قد يقود إلى وضع يشهد تباطؤا في النمو الاقتصادي رغم كل الجهود المبذولة لتحفيز الطلب، وتؤدي فيه كل هذه التحفيزات إلى تسريع التضخم".
وأضافت "أنه بشكل أساسي سيناريو ركود تضخمي لا يمكن وقفه إلا لقاء انكماش اقتصادي حاد".
الاقتصاد يتدهور
وفي حال تسجيل ركود تضخمي، تعبير يشير إلى تضخم شديد بالتزامن مع نمو ضعيف أو حتّى منعدم، فسيطرح ذلك تحديا جديدا على الكرملين.
ومذ أمر الرئيس فلاديمير بوتين ببدء العملية العسكرية في أوكرانيا قبل أكثر من سنتين ونصف سنة، ارتفعت النفقات الفيدرالية بنحو 50%، متسبّبة بارتفاع في الأجور وإنفاق الأسر.
وتراجعت البطالة إلى أدنى مستوياتها التاريخية فيما ارتفعت ثقة المستهلك إلى أعلى نسبة منذ 15 عاما.
لكن مع هجرة عمال مهرة وغير مهرة فروا إلى الخارج هربا من التجنيد أو التحقوا بالجيش طلبا للأجور المغرية، باتت ملايين المناصب شاغرة.
كما أن العقوبات التي حرمت روسيا من التكنولوجيا الغربية، انعكست سلبا على الإنتاجية وبلبلت سلاسل الإمداد.
وقال الأستاذ الروسي في مدرسة الاقتصاد في برشلونة روبن إنيكولوبوف لوكالة فرانس برس إنه "على المدى البعيد ستؤدي هذه العوامل الديموغرافية وهذه المسائل التكنولوجية إلى نمو ضعيف جدا".
وتابع "من المحتمل جدا أن نشهد سيناريو ركود تضخمي عام 2025 وفي السنوات التالية".
وأقر البنك المركزي الروسي بوجود "مؤشرات إلى تباطؤ النمو".
إلا أن معدل الفائدة الرئيسية وصل إلى 18%، ما يثير استياء أرباب العمل الذين يشكون من تزايد تكاليف القروض المصرفية، ما يعيق بشكل إضافي النمو في قطاعات غير مرتبطة بالجيش.
وأوضح ماكسيم بويف، من معهد الاقتصاد الجديد في موسكو، أن روسيا عالقة في "حلقة مفرعة من التضخم والكينيزية العسكرية، إذ إن التحفيزات تذهب إلى الحرب، فيما بقية الاقتصاد يسجل ارتفاعا في الأسعار".
ويؤكد بوتين من جهته أن الإنفاق العسكري يمثل "موردا كبيرا" يمكن أن يحرك النمو في روسيا، غير أن العديد من المراقبين يشكّكون فيما إذا كانت فوائد هذه الاستثمارات العسكرية كافية للتعويض عن التكاليف الباهظة.
وقال فلاديسلاف إنوزمتسيف، أحد مؤسسي مركز التحليل والاستراتيجيات في أوروبا، مكتب الدراسات المتخصص في شؤون روسيا إن "الاقتصاد يتدهور، إنه يبتعد عن النمط العصري".
نزاع طويل الأمد
وعلى الرغم من أن الخبراء يعتقدون أن هذا النظام لا يمكن أن يستمر على المدى الطويل، لكنه في المقابل لا يحدّ من قدرات روسيا العسكرية.
ويعتقد سيرغي ألكساشنكو، نائب وزير المال السابق، أنه ينبغي الانتظار لمدة عقد قبل أن "تظهر" فعليا مفاعيل الحظر على تصدير التكنولوجيا إلى روسيا.
وفي هذه الأثناء، تملك موسكو الموارد لخوض نزاع طويل الأمد، فلديها نحو 300 مليار دولار من الاحتياطات التي لم يجمدها الغرب، ونسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي متدنية بنسبة تقارب 15%، كما أعلن الكرملين زيادات كبيرة في الضرائب ستجني له عائدات إضافية بمليارات الدولار في السنوات المقبلة.
وقال إنيكولوبوف "ما زال هناك هامش كبير لإعادة توزيع الموارد، لن يوقفوا الحرب لنفاد الإمدادات".
ورأى إنوزمتسيف أن روسيا "قد لا تستمر إلى ما لا نهاية" في الحرب، "لكن لديها بالتأكيد المال والموارد الكافية لمواصلتها لسنوات عدة بالكثافة ذاتها التي هي عليها اليوم".