منبع الأزمة.. لماذا تخشى روسيا انضمام أوكرانيا لـ"الناتو"؟
انضمام أوكرانيا المحتمل لحلف شمال الأطلسي ومن بعدها جورجيا من شأنه أن يفرض نوعا من الحصار على روسيا وسيكون بمثابة إعلان الهزيمة.
طرح إذا تحقق فسيكون الأسوأ بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل سيكون كابوسا لرجل يسكنه هاجس طويل الأمد نابع من مرارة تداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي، خلال فترة حكم سلفه بوريس يلتسين في التسعينيات.
مسار طويل من الأحداث يفسر الشراسة التي يطالب بها الروس اليوم بالضمانات الأمنية وبالأساس وقف توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقا، أي منع انضمام أوكرانيا.
إصرار جعل بوتين يطالب بحسم فوري لملف يدرك أن مراكمة الزمن فيه لا تمضي لصالح روسيا، ولذلك قال الثلاثاء، خلال مؤتمر صحفي إن المناقشات حول انضمام أوكرانيا إلى الحلف مستمرة (..) ولو حصل ذلك حتى بعد عدة أعوام، عندما تكون أوكرانيا مستعدة لهذه الخطوة، فمن المحتمل أن يكون الأوان عندها قد فات بالنسبة إلينا. لذلك نريد حسم هذا الموضوع الآن، في أقرب الآجال، ضمن عملية تفاوضية وبطرق سلمية".
صدى مصطنع
خبراء كثر يرون في الأزمة الأوكرانية "صدى مصطنع" للحرب الباردة؛ فأطرافها جميعهم كانوا اللاعبين الأساسيين والثانويين في تلك الحرب، ما يعني أن الأزمة ذاتها ليست سوى أحد تمظهرات بقايا الترتيبات التي انتهت إليها.
أو بالأحرى هو نزاع حول تعديل هذه الترتيبات، فواشنطن تتطلع لإحداث نحو من التحوير عليها، لتصبح تعبيرا عن اندحار كامل لروسيا، الدولة الوريثة للاتحاد السوفيتي، أمام الناتو مدعوما بالاتحاد الأوروبي.
في المقابل، فإن انضمام أوكرانيا المحتمل للحلف وربما من بعدها جورجيا، يضرب إرادة روسيا بشكل كبير، لأنه يعني حصارها وهزيمة إرادتها مقابل انتصار واشنطن وحلفائها، ولذلك فإن ما يريده بوتين اليوم من منع كييف من الانضمام للناتو هو إعادة النظر فى الترتيبات المنبثقة إبان ضعف روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ضعف يتجسد بالنسبة له في انضمام الدول التي كانت أعضاء بحلف وارسو لـ"الناتو" والاتحاد الأوروبي، التكتلين اللذين يرى في توسعهما -خصوصا الأول- تهديدا لأمن روسيا، ولذلك تطالب الأخيرة بعدم توسع الحلف شرقا أي عدم انضمام أوكرانيا بالمقام الأول، لأن خطوة مماثلة ستغلق الباب بوجه جورجيا.
من هنا، يدرك بوتين أن اللعبة باتت بيده نوعا ما، وأن تعزيزاته العسكرية على حدود أوكرانيا نجحت نوعا ما في الضغط على الغرب، ما جعله يقدم مقترحات الضمانات الأمنية، والتي تنص بالأساس على عدم توسع الناتو شرقا.
فالروس الذين يوحدهم الشعور بالغبن، وهم الذين يعتبرون أنفسهم منذ ما قبل الثورة الروسية والاتحاد السوفيتي دولة كبرى يحق لها أن تُحترم، يسعون لسد الثغرات التي يمكن أن تقطع عليهم الطريق، من ذلك الدول الصغيرة المتاخمة لهم مثل بلدان البلطيق الصغيرة الثلاث والتي ابتلعتها روسيا القيصرية ومن بعدها الاتحاد السوفيتي.
خطوات روسيا
ماذا لو انضمت أوكرانيا لحلف الناتو؟ سؤال يفرض نفسه في ظل تمسك كييف بـ"حقها" في ذلك، ويستطلع الخطوات الروسية المحتملة حال حدوث أكثر طرح تخشاه موسكو.
الخبير العسكري فيكتور بارانيتس حدد لموقع "NewInform" الخطوات الروسية في هذه الحالة، وذلك في تعقيب على بيان للرئيس الروسي بشأن احتمال انضمام أوكرانيا إلى الناتو.
وقال الخبير -وفق ما نقل موقع "روسيا اليوم"، إن بوتين أجرى مقابلة أوضح فيها درجة احتمال مثل هذا الخيار، مشيرا إلى أن "زمن التحليق في هذه الحالة سيتقلص إلى 7-10 دقائق". "فهل هذا خط أحمر بالنسبة لنا أم لا؟" .
واعتبر الخبير أن سؤال بوتين يحمل أكثر من مغزى، لأن طرح انضمام كييف للناتو ممكن وغير ممكن، نظرا لوجود بند في ميثاق التحالف يقضي بعدم جواز أن تنضم دولة تعاني من نزاعات إقليمية إلى المنظمة.
ومستدركا: "لكن، ها هي تركيا واليونان، والعلاقات بينهما لا تزال متوترة بسبب قبرص وجرف بحر إيجه، عضوان في الناتو، وبالمناسبة، إستونيا التي لديها مطالبات إقليمية ضد روسيا عضوة أيضا في الحلف".
ولفت الخبير إلى أن أوكرانيا في حال باتت جزءا من حلف الناتو بالقرب من روسيا فستخلق الكثير من المتاعب، لكن موسكو لديها ما ترد به، فهناك خمس خطوات يمكنها القيام بها.
وأوضح أن الخطوة الأولى تكمن في إنشاء قاعدة عسكرية روسية في كوبا؛ وثانيا، نشر مواقع عسكرية في فنزويلا؛ وثالثا، التعاون بشكل أوثق مع إيران.
أما الخطوة الرابعة، فتشمل إعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع كوريا الشمالية، والخامسة التي وصفها الخبير بـ"الأخطر"، فتهم "الاتفاق مع بكين رسميا على تشكيل تحالف عسكري".
خطوات تظل واردة في ظل التواتر السريع للأحداث، ووسط الغضب الروسي من تجاهل واشنطن والناتو لمطالبها بالضمانات الأمنية، وفي خضم استمرار صراع فاقمه ضم موسكو شبه جزيرة القرم في عام 2014، لكن المؤكد هو أن مجمل هذه الأحداث تشكّل بطريقة أو بأخرى معايير جديدة للنظام العالمي.
aXA6IDMuMTQ3LjUzLjkwIA== جزيرة ام اند امز