قمة الناتو في لاهاي... لماذا أهملت أوكرنيا؟

في تحوّلٍ لافت عن سوابقها، كشفت قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة في لاهاي عن واقع جديد في موازين الاهتمام داخل التحالف.
فتراجعت الحرب الروسية الأوكرانية، التي تربعت في صدارة كل جداول الأعمال والبيانات والصور الرسمية للقمم السابقة خلال السنوات الثلاث الماضية، لتجد كييف نفسها هذه المرة في الخلفية، ويتصدّر المشهد رئيس أميركي يسعى الجميع لاحتوائه.
وتشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أن الرئيس دونالد ترامب هيمن على أجواء القمة، ليس فقط بخطابه ومواقفه، بل بالأجندة التي صيغت حوله، حيث بدت الدول الأعضاء أكثر انشغالاً بطمأنته وإرضائه من مناقشة مستقبل الحرب في أوروبا الشرقية.
كما حُرم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من الاستقبال الباهر الذي اعتاده في السنوات الماضية، وغاب اسم بلاده عن الوثيقة الختامية للقمة دون أي إشارة لمسار انضمامها للحلف.
تحولت الأضواء كلياً نحو ترامب الذي لم يخفِ يوماً ازدراءه للناتو، ورغبته في تقليص الاعتماد الأوروبي على الدعم العسكري الأمريكي، وإعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ووصف مايكل جون ويليامز، المستشار السابق في الناتو، المشهد بقوله: "أوكرانيا؟ ما هي أوكرانيا؟... كان هناك سعي واضح لتجنب القضايا الخلافية". بل إن زيلينسكي نفسه اضطُر لتغيير زيه العسكري المميز وارتداء سترة رسمية سوداء خلال لقائه بترامب في محاولة لكسب رضاه.
اللقاء الذي استمر 50 دقيقة بين الزعيمين لم يسفر عن وعود ملموسة، فبينما وصفه زيلينسكي بـ"المثمر"، أكد ترامب أن الحديث لم يتطرق لوقف إطلاق النار، مكتفياً بالإشادة بلطف نظيره الأوكراني.
هذا التراجع الدبلوماسي تزامن مع تدهور ميداني خطير، حيث شهدت الأيام الأولى للقمة هجوماً روسياً بالصواريخ الباليستية تلاها غارات جوية على كييف، فيما توغلت القوات الروسية في منطقة دنيبروبتروفسك لأول مرة منذ ثلاث سنوات.
تزامنت هذه التطورات مع انشغال واشنطن بالأزمة الإيرانية-الإسرائيلية، حيث غادر ترامب مبكراً اجتماع مجموعة السبع الأسبوع الماضي وألغى لقاءه المقرر مع زيلينسكي. وقد فُسر تدخل الولايات المتحدة العسكري المباشر ضد إيران من خلال ضرب منشآت نووية يوم الأحد على أنه إشارة لبدء انسحاب واشنطن غير المعلن من دعم أوكرانيا.
وتجسد هذا الانسحاب عملياً في توقف المساعدات العسكرية الأمريكية منذ خمسة أشهر، مع توقع نفاد المخزون الحالي بحلول الصيف.
ويظهر التباين جلياً عند مقارنة القمة بقمة واشنطن 2024، حيث اتفق الحلف آنذاك على منح أوكرانيا "مساراً لا رجعة فيه" نحو العضوية، بينما اكتفى الأمين العام الجديد مارك روته هذه المرة بتأكيد دعم "المسار غير القابل للرجوع" دون أي التزامات عملية.
وفيما اختتم ترامب القمة بتأكيده أن بوتين "ربما لديه طموحات تتجاوز أوكرانيا"، لكنه رفض وصفه بالعدو، مكتفياً بالقول إنه "شخص ضل الطريق" في إشارة تتناقض مع خطورة التهديد الذي تمثله الصواريخ الروسية التي تستهدف المدن الأوكرانية يومياً.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjAzIA== جزيرة ام اند امز