قوة الاقتصاد الأوروبي ومتانة العلاقات بين دول الاتحاد مسائل باتت محل جدل وخلاف.
فليس بإمكان الأوروبي نفسه وصف هذا التكتل الفريد من نوعه بأنه في أفضل أحواله أو أحسن ظروفه، ولعل العوامل الأساسية لذلك من الممكن تلخيصها في سبعة أمور:
أولها: الحرب الروسية-الأوكرانية وتبعاتها السياسية وتداعياتها الاقتصادية على القارة العجوز، سيما وأن أوكرانيا تُحاذي جغرافيا عددا لا يُستهان به من دول الاتحاد، وهي بوابة شرقية كان بعض القادة الأوروبيين ينظرون إليها كصندوق بريد سياسي وعسكري، بغية إيصال الرسائل إلى روسيا.
ثانيها: أظهرت الحرب الروسية-الأوكرانية مدى ضعف أوروبا عسكريا، واعتمادها المباشر على الولايات المتحدة الأمريكية في مجالات الأمن والأسلحة النوعية، وحتى عدد الجنود المنتشرين على مقربة من روسيا، ولا يعتبر حلف شمال الأطلسي "الناتو" هو الخيار الأمثل لكل دول الاتحاد، كون الحلف خاضعًا بالمطلق لتوجهات الأمريكان عند اللزوم.
ثالثها: تباين الآراء بين باريس وبرلين من جهة، وواشنطن من جهة أخرى، حول عملية التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدم قطع التواصل معه، وهنا يظهر حجم التناقض داخل "البيت الأبيض"، لذلك صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإعلام الأمريكي خلال زيارته الأخيرة قائلاً: "ترفضون حديثي الهاتفي مع بوتين وتجلسون كأميركان مع الروس في تركيا دوما!".
رابعها: استغلال الشركات الأمريكية أزمة الغاز والنفط في أوروبا، نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا، وحصول هذه الشركات على أرباح طائلة تفوق الوصف، نتيجة التصدير لبعض دول أوروبا في ظل أزمات طاقة متتالية أدت لنزول الأوروبيين محتجين إلى الشوارع في أكثر من بلد أوروبي.
خامسها: حدة الخلافات بين زعامات التجمع الأوروبي حيال روسيا أو توسعة "الناتو"، فضلا عن دعم الجيش الأوكراني، أو حتى تقديم مساعدات مالية ضخمة لحكومة كييف، ورأينا كيف عبر عن ذلك رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، في أكثر من مرة، ونأت النمسا بنفسها عن كل ذلك من خلال امتناعها عن إرسال مساعدة عسكرية وتحفُّظها الضمني على اتساع رقعة "الناتو".
سادسها: الفساد العريض الذي يلف مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وليس آخرها مسألة الرشوة التي حصلت عليها نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي إيفا كيلي، فهذا دليل مباشر على أن قرارات هذا البرلمان المجحفة بحق دول عربية سابقا كانت مسيّسة ومدفوعة الثمن مسبقا.
سابعها: العلاقات مع تركيا والصين والتعاون الاقتصادي هنا خاضغ أوروبيا لابتزاز أمريكي، زِدْ على ذلك آلية العبور بدول البلقان من دول مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، إلى دول تعيش صراعا فيما بينها، كالذي يجري بين كوسوفو وصربيا، أو حتى داخل البوسنة والهرسك.
خلاصة القول إننا بالفعل أمام مشهد أوروبي فيه كثير من العبثية، أو بعبارة أدق كأننا أمام "اتحادين أوروبيين"، اتحاد خاضع لتوجهات محافظة يقوده رئيس المجلس شارل ميشال، واتحاد ليبرالي تقوده أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة