روسيا وأوكرانيا والغرب.. كيف جرى توظيف الدين في الحشد للحرب؟
رغم أنها حرب بين دولتين تنتميان لذات الدين إلا أنه جرى توظيف الدين من قبل الجانبين والغرب بشكل واسع في محاولة للحشد والتأليب.
توظيف الدين حمل جانبا من الانعكاسات المتناقضة التي أظهرت أن الدين لا يزال يمثل جزءا مهما في تفسير بل وتفكيك التفاعلات الدولية.
وبدا استخدام وتوظيف الدين في تفسير دوافع وأسباب لجوء روسيا إلى العملية العسكرية كعنصر محفز على اندلاع الحرب، في مقابل آخرين يرون أن الحرب لم تجر وفق إرادة موسكو وإنما وفق إرادة إلهية انطلاقا من كونها مقدمة لنهاية الحياة.
وبحسب المركز المصري للفكر والدراسات والاستراتيجية، ظهر الدين ضمن أدوات معاقبة موسكو وتدعيم عزلتها، إضافة إلى وجوده ضمن محاولات التهدئة التي تسعى لاحتواء المشهد ووقف الحرب.
دور الكنيسة
يعود تاريخ اعتماد موسكو على الديانة المسيحية منذ تأسيس الدولة، ومع تطور البلاد وتوسعها، تفـاوت دور الكنيسة مــن فتـرة تاريخية لأخرى، وبوتين نفسه تولى مقاليد البلاد عـام 2000 بمباركة الكنيسة حيث شارك في ختام مراسم تنصيبه الصلاة في كاتدرائية ضمــن مجمع الكرملين، رغم أن الدستور ينص على علمانية الدولة.
وكان للكنيسة الأرثوذكسية الروسية نفوذا دينيا على الكنائس الأوكرانية، إلا أنه مـع حدوث الاحتجاجات الأوكرانية في 2014 والإطاحة بالرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش واجه نفوذها نفوذهـا صعوبات جمة انعكس ذلك في انقسام البطريركيات بين واحدة حافظت علــى تبعيتها لروسيا، في حيـن أن الثانية انفصلت بإيعاز مـن السلطات الجديدة الموالية للغرب.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، أعلن الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو تدشين كنيسة أرثوذكسية أوكرانية مستقلة عن الكنيسة في روسيا، مؤكدا أن أمن بلاده يعتمد إلى حد كبير على الاستقلال الديني عن موسكو.
وقام بوروشينكو بتقديم التماس إلى برثلماوس الأول، بطريرك القسطنطينية المسكوني، ضمن محاولات لاستغلال الأزمة بين الكنيسة في روسيا والقسطنطينية حول السلطة العليا على الأرثوذكسية العالمية.
كما ألمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه قبل بدء العملية العسكرية إلى الروايات الدينية التي تدعم المعركة، مؤكدا أن أوكرانيا "جزء لا يتجزأ من تاريخنا وثقافتنا ومساحتنا الروحية".
كما وصف الغرب بأنهم أعداء الدين الحقيقي وأنهم يدعون لتحطيم الأسرة ويحاربون القيم والأخلاق بدعمهم للشذوذ الجنسي والترويج لآفة المخدرات، واصفا معركته ضد الغرب بأنها "ضد الشر والشيطان وأعوانه".
وفي 6 مارس/آذار الماضي، صور البطريرك "كيريل، أسقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبطريرك موسكو وعموم روسيا، الحرب، خلال خطبته الخاصة ببداية الصوم الأربعيني الأرثوذكسي، بعبارات دينية، مثل: "لقد دخلنا في صراع ليس له أهمية جسدية، بل ميتافيزيقية"، لافتا إلى أن الحرب "صراع من أجل الخلاص الأبدي للروس".
وفي رده على إيوان سوكا، القس الروماني الأرثوذكسي، حول الحرب أكد أن الناتو يسعى لجعل الشعبين الشقيقين في روسيا وأوكرانيا "أعداء".
وبعد قرار بوتين بالتعبئة الجزئية، قال رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إن "الجنود الروس الذين يقتلون في الحرب بأوكرانيا سيتطهرون من كل ذنوبهم".
وفي عيد ميلاد الرئيس الروسي الـ 70 قبل أيام، قال البطريرك كيريل، في رسالة إلى بوتين: "لقد وضعك الرب على رأس السلطة حتى تتمكن من أداء خدمة ذات أهمية خاصة ومسؤولية كبيرة متعلقة بمصير البلد والشعب الذي توكل إليه رعايتك".
وبحسب "جوليا ترويتسكايا" كبير مراسلي وكالة الأخبار الدولية "روسيا سيغودنيا" فإن الرئيس الروسي استفاد من تنامي دور الكنيسة الأرثوذكسـية لخدمة سياساته الرامية إلى الحفاظ علـى الاستقرار الاجتماعـي داخليا، وتوسـيع نفوذ روسـيا إقليميا ودوليا، والاستفادة في ذلـك مـن ارتباط الكنيسة الروسية مع الكنائـس الأرثوذكسـية في الجمهوريات السوفييتية السابقة، في إطار ما يعرف باسم "العالم الروسي".
وأكدت أن الدين مثل أدوات أخرى ارتكنت إليهـا الحكومة الروسية في محاولتها لبناء الدولة الروسية، وإيجاد عقيدة روسية جديدة تغاير الأيديولوجية الشيوعية المنهارة، والقيم الليبرالية الغربية التي تنظر إليها النخبة الحاكمة في الكرملين بشك كبير، وتحملها مسؤولية تفشي الانحلال الأخلاقي في المجتمع، خاصــة مع إضعافها لقيم العائلـة، ومـن ثـم فـإن إحيـاء دور الكنيسـة سـاهم في تحقيق الاستقرار المجتمعي، فضلا عن إمكانية توظيفــه كأداة لنشــر وتبرير الــدور الروسي الخارجي.
تباين الداخل الأمريكي
وظهر الدين أيضا كسبب لتفسير الدعم الذي يقدمه بعض الأمريكيين المؤيدين لموقف روسيا من الحرب وكذلك كتفسير للعداء الذي يكنه البعض لروسيا بسبب الحرب، مثل الدور الذي لعبته القيادة الأرثوذكسية الروسية في حركة القيم الأسرية العالمية رمزًا جذابًا لبعض المتدينين، ومنهم اليمين العنصري.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك حيث تطور إلى قيام البعض منهم بالدفاع عن الأرثوذكسية باعتبارها موطنا روحيا للقومية البيضاء، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، استقبلت روسيا المبشرين، بما فيهم الأمريكيون، بحرارة حيث درسوا الكتاب المقدس للطلاب وعملوا على إنشاء جامعات مسيحية، وقدموا مجموعة من الخدمات الإنجيلية، وأشاد كثيرون منهم بـ"بوتين"، الذي أعاد بناء الكنائس ودعم دورها.
وفي 2014، ظهر بوتين على غلاف المجلة الإيفانجيليكية " Decision" في مقال أشاد فيه الإيفانجيليكي البارز فرانكلين جراهام بأسلوبه في التعامل مع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية وحمايته للمسيحيين، كما زار فرانكلين روسيا في عام 2015، وروج لبوتين كقائد ورع.
وقبيل الحرب، طلب فرانكلين من الناس الصلاة من أجل الرئيس الروسي ولكن ليس من أجل الأوكرانيين.
كما عبرت لورين ويتزكي، المرشحة الجمهورية لمجلس الشيوخ في ولاية ديلاوير، عن دعمها لحق بوتين في حماية القيم المسيحية لروسيا؛ مضيفة أنها "تتعرف على القيم المسيحية لبوتين أكثر من جو بايدن".
معركة هرمجدون
وبعد نحو 8 أشهر من الحرب، يظل الدين عاملا مؤثرا بطريقة تتطلب وضعه في الاعتبار، حيث أثار تعليق الرئيس الأمريكي جو بايدن، حول تهديدات بوتين باستخدام السلاح النووي جدلا واسعا.
ومساء الثلاثاء الماضي، قال بايدن خلال فاعلية خاصة لجمع التبرعات إن استخدام بوتين للسلاح النووي سيأتي بهرمجدون على الجميع، مستخدما مصطلحا دينيا إنجيليا من العهد الجديد وتحديداً من سفر النبوءات للمعركة الحاسمة النهائية بين أهل الخير ضد فريق الشر، وتسمى هذه المعركة هرمجدون وهي أشبه بالمنقذ والمخلص العظيم الذي سيقود معركة الخلاص من أهل الشر والانتصار عليهم.
ويستخدم هذا المصطلح بشكل عام للإشارة إلى سيناريو نهاية العالم. وفي العقيدة الإسلامية، تذكر "هرمجدون" أيضًا في الحديث باسم "الملحمة الكبرى".