في ظل الظروف الراهنة التي تحكم العالم، ولا سيّما الصراع في الشرق الأوسط، بدأت تطفو على سطح العلاقات السياسية إعادة حسابات وترتيب أوراق في جميع دول العالم.
في ظل الظروف الراهنة التي تحكم العالم، ولا سيّما الصراع في الشرق الأوسط، بدأت تطفو على سطح العلاقات السياسية إعادة حسابات وترتيب أوراق في جميع دول العالم، والدول العربية على وجه الخصوص, فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا، ظهرت الولايات المتحدة كقوة عظمى تهيمن على العالم أجمع من خلال الاقتصاد والسيطرة على القرار العالمي، ومن خلال التفوق العسكري، فعملت الولايات المتحدة على توسيع نفوذها بإقامة التحالفات مع الدول؛ إما على سبيل التعاون الاقتصادي وإما التعاون العسكري.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت روسيا تمتاز بالمرونة وسعة الأفق؛ إذ نجد أن روسيا تتمتع بعلاقات صداقة قوية حتى مع الدول التي تشكل حلفا مع أمريكا، ففي الخليج العربي تتمتع العلاقة مع الروسي بالهدوء والصداقة الناجحة، على الرغم من أن دول الخليج في علاقة تحالف مع الأمريكي
استراتيجية التحالفات ليست جديدة بل هي قديمة قدم التاريخ، ولكن التحالف مع القوى العظمى يتطلب الحذر وقراءة تاريخ هذه القوى، فمنذ تفكك الاتحاد السوفيتي حتى مطلع القرن الحادي والعشرين والولايات المتحدة تعد القطب الأوحد، وأصبحت شبه متفردة بالقرار الدولي.
وعلى الرغم من ذلك بقيت بعض الدول متمسكة بالشراكة والتحالف مع روسيا حتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وبقيت الحال على ما هي عليه حتى دخلت المنطقة العربية في صراعات داخلية في ما يسمى "الربيع العربي"، حيث بدأت الخارطة السياسية بالتذبذب والتغير تبعا للتغيرات العسكرية والاضطرابات الداخلية، وعليه فلا بدّ لأي متفكر ومدقق بالشأن الدولي أن يركز على أهمية التحالف واختيار الحليف وإعادة ترتيب الأوراق السياسية.
وفي مقارنة بسيطة بين التحالف مع الأمريكي والتحالف مع الروسي، وفي مراجعة للتاريخ القريب نجد أن التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية تحالف مع الأقوى في العالم، ولكنه تحالف يقوم على مبدأ جني الاستثمارات والمصالح، فبمجرد تحقيق المصلحة يصبح التحالف شكلياً اسماً بلا مضمون، والشواهد على ذلك كثيرة، ففي العراق جاءت أمريكا بحجة أسلحة الدمار الشامل وتكريس الديمقراطية، وبعد أن تمّ لها ما أرادت ودخلت العراق وبنت قواعدها ووضعت يدها على النفط العراقي، تركت العراق نهباً للفساد والتطرف والفقر والطائفية والفوضى متحصنةً في قواعدها وفي المنطقة الخضراء.
أما في الخليج العربي، وبعد أزمة اليمن وتهديد أمنه خاصة والمنظومة العربية ككل، بزرْع إيران مليشيا الحوثي في خاصرة المملكة العربية السعودية وفي قلب مهد العروبة اليمن، اكتفت الولايات المتحدة بالصمت، بل حتى إنها أحياناً تلوم التحالف العربي وفقاً لأجنداتها ومصالحها، وفي أحيان أخرى تتخذ مواقف سلبية تجاه حلفائها في الأزمات والظروف والقضايا التي تعترضهم.
وفي مصر لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً عندما اضطربت الأوضاع فيها حتى كادت تسقط الدولة المصرية بسقوط نظامها وتحولها للفوضى والدمار، وهيمنة تنظيم "الإخوان" على البلاد وابتلاع مصر العرب ووضعها تحت عباءة المرشد.
كذلك هو الحال في تركيا التي تعد الحليف الاستراتيجي وعضوا في حلف الناتو مع الولايات المتحدة، عملت أمريكا على التحالف مع من تَعُدُّهم تركيا أعداءها التاريخيين حتى أصبحت وكأنها تستبدل الكرد بالأتراك في تحالفها، مما أدى إلى سوء العلاقات، لدرجة أن الولايات المتحدة لم تجد حرجاً من فرض عقوبات اقتصادية على تركيا حليف الأمس المهم والاستراتيجي.
أما على الجانب الآخر، فنجد أن التحالف مع روسيا الأضعف عسكريا واقتصاديا بالنسبة لأمريكا يقوم على مبدأ الشراكة والدفاع عن الحليف بكل ما استطاعت من قوة سياسية بل عسكرية أيضاً، والشواهد على ذلك كثيرة، ففي حرب العراق وإسقاط النظام السابق الذي كان حليفاً لروسيا التي لم تمرر لأمريكا قرارها بل وقفت في وجهه علانية بحق النقض الفيتو في رفض شديد له، مما دعا واشنطن لشنّ حربها بشكل سريع ومفاجئ وبتجاوز مجلس الأمن الدولي، وفي ليبيا أسهمت روسيا في خلق التوازن بين الأطراف الدولية حيال القضية الليبية على الرغم من أن النظام الليبي لم يصمد طويلاً؛ إذ انهار قبل أن تتمكن أي من الدول مساندته أو الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، أما في سوريا فظهرت طبيعة التحالف الروسي مع حلفائه أكثر متانة وقوة حين ألقت موسكو بثقلها العسكري والاقتصادي والسياسي للدفاع عن حليفتها دمشق في كل ما تتعرض له من ضغوط سياسية وعسكرية واقتصادية، وأصبحت سوريا الورقة الأولى على أجندات روسيا في كل المحافل الدولية، ولم تقتصر على الدعم السياسي والعسكري بل حتى على الصعيد الداخلي، وذلك بإيجاد مراكز المصالحات السورية الروسية مع جميع الأطراف وعقد الهدنات والتسويات، كل هذا جعل من خريطة التحالفات الدولية نذيرا بتغيرها؛ فتركيا التي كانت قبل وقت قصير الحليف الاستراتيجي لأمريكا وذات العلاقات المتوترة مع روسيا بعد إسقاط الطائرة الروسية عام 2015، عادت إلى الصداقة الروسية وبدأت علاقاتها بالتوتر مع الأمريكي، وكأنها أول نذير لقلب تحالفها من أمريكا إلى روسيا، فالقوة وحدها لا تكفي لصناعة التحالفات؛ إذ لا بد من الوفاء بين الحلفاء، وشرط الوفاء غير متوفر في الحليف الأمريكي .
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت روسيا تمتاز بالمرونة وسعة الأفق؛ إذ نجد أن روسيا تتمتع بعلاقات صداقة قوية حتى مع الدول التي تشكل حلفا مع أمريكا، ففي الخليج العربي تتمتع العلاقة مع الروسي بالهدوء والصداقة الناجحة، على الرغم من أن دول الخليج في علاقة تحالف مع الأمريكي.
في الواقع باتت المنطقة العربية، والإقليمية المحيطة بها، تشهد تحركات وإعادة النظر في قضية التحالف على مبدأ الشراكة لا الهيمنة حتى يكتب للتحالف الاستمرار أو طول الأمد، وقد يفضي هذا البحث إلى خسارة الأمريكي حلفاءه لصالح الروسي؛ لأنّه في نهاية الأمر تبحث جميع الدول في علاقاتها عن الصدقية والوفاء وعدم التلون، وتقديم مصالح صغيرة جدا على تحالفات عمرها الزمني يتجاوز عشرات السنين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة