صدع في جدار الوحدة الأوروبية.. دعم كييف يثير انقسامات
في بداية الحرب بأوكرانيا، كان الموقف الأوروبي متماسكا وقويا، وتحدث القادة دائما عن "أثر إيجابي" و"وحدة غير مسبوقة".
لكن يبدو أن شرخا ضئيلا جدا في ذلك الوقت، بدأ بالاتساع شيئا فشيئا في أروقة الاتحاد الأوروبي، وأصوات كانت خافتة، بدأت تصدح حتى باتت مسموعة.
فاليوم الخميس، شهد البرلمان النمساوي، واقعة كانت متوقعة مسبقا، تتمثل في احتجاج حزب الحرية اليميني المتطرف المعروف بموالاته لموسكو، على إلقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خطابا في البرلمان.
ومع بداية كلمة زيلينسكي في البرلمان رفض نواب حزب الحرية اليميني المتطرف، وعددهم 31 من أصل 183 عضوا بالبرلمان، التصفيق، ثم أخرجوا من حقائب بنية لافتات مدون عليها "مكان للحرية" "مكان للحياد".
قبل أن يغادر الـ31 نائبا الجلسة ويتركون اللافتات في مواقعهم، في احتجاج هو الأكبر في برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ضد كلمة لرئيس أوكرانيا.
إلى الآن، لم يكن الأمر مفاجئا، وأعلن حزب الحرية عن خططه للاحتجاج مسبقا، بل إن معارضته لخطاب زيلينسكي على مدار العام المنصرم، منع الرئيس الأوكراني من إلقاء الكلمة.
حتى خرجت إدارة البرلمان النمساوي بمناورة تضمنت تغيير طبيعة الجلسة التي أُلقي فيها الخطاب من "جلسة عامة"، لـ"فعالية برلمانية"، لتفادي فيتو الحزب.
لكن اللافت في هذه الجلسة كان لجوء أغلبية نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي "يسار وسط"؛ أحد الأحزاب التاريخية في البلاد، وثاني أكبر كتلة في البرلمان، إلى "استراتيجية الغياب" عن الجلسة، في خطوة تعبر على ما يبدو عن رفضهم لكلمة زيلينسكي التي يراها البعض "انتهاكا لحياد النمسا".
١٨ نائبا فقط من أصل ٤٠ يمثلون الحزب الاشتراكي الديمقراطي حضروا الجلسة، حتى رئيسة الحزب باميلا ريندي فاغنر لم تحضر وقالت إنها مريضة.
كان هذا لافتا للغاية، فالحزب يردد باستمرار كلمات الإدانة بحق الهجوم الروسي على أوكرانيا، ويؤيد دعم كييف إنسانيا وسياسيا في ضوء حياد النمسا المعلن منذ 1955، ويمنع تقديم دعم عسكري لدولة أجنبية.
وما أثار الشكوك أكثر، أن ١٩ نائبا من الغائبين حضروا الجلسة العامة للبرلمان التي أعقبت خطاب زيلينسكي مباشرة.
لذلك، وفق مراقبين، فإن سبب غياب أكثر من نصف الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن الخطاب، هو أن الحرب تقسم الحزب مثلها مثل التضخم والهجرة والمناخ.
إذ ينقسم أعضاء الحزب حول كيفية التعاطي مع الحرب ورؤيتهم لموقف النمسا منها، وهناك من يرى ضرورة الاشتباك ودعم كييف سياسيا وإدانة روسيا، وآخرون يرون الالتزام بالحياد بشكل مشدد والابتعاد عن الانحياز لأي طرف بأي شكل كان.
عضو البرلمان، غيرالد لواكر، انتقد بشدة غياب أغلبية نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي ورئيسة الحزب عن خطاب زيلينسكي، وقال "إذا كنت رئيس الحزب، فكنت سآخذ حبتين من الأسبرين، وسأجر نفسي إلى هنا".
وأضاف "ربما رئيسة الحزب في المستشفى، لكن الصورة اليوم كانت سيئة للغاية".
ووفق تقارير نمساوية، فإن أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي المتغيبين ربما شعروا بأن ظهور زيلينسكي، وربما طلبه السلاح، يضعهم في موقف حرج بسبب رفضهم المعلن لأي انحياز لطرف على حساب آخر في الحرب.
لكن اللافت أن جدار الوحدة الذي تغنى به الغرب منذ بداية الحرب، بدأ في التصدع بشدة، مع انقسام الأحزاب التقليدية في الاتحاد الأوروبي حول دعم كييف بعد 13 شهرا من الحرب، وفق مراقبين.
aXA6IDUyLjE1LjIxNy44NiA= جزيرة ام اند امز