مظلة نووية روسية على "رأس" لوكاشينكو.. تكتيك أم تخويف؟
واقع جيوسياسي متقلب يخلفه عزم روسيا نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، الجارة التي باتت تحمل مظلة تبعث برسائل مفخخة بتكتيك أو بتخويف.
قرار مفاجئ أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفجر التساؤلات حول الدوافع والتوقيت، وعلاقته بالتحركات الغربية الأخيرة، إلى جانب تأثير كل ذلك على مسار الحرب في أوكرانيا.
فيما يظل السؤال المحوري: لماذا يقوم بوتين بتغطية نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بمظلة نووية؟
تكتيك؟
محللون يدعمون فرضية وجود تكتيك حربي وراء القرار الروسي، حيث يعتبر الخبير السياسي، كيريل كوكيش، أن موسكو ترد بذلك على استفزازات حلف شمال الأطلسي "الناتو" المتكررة منذ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا.
وفي حديث لإعلام روسي، يقول كوكيش إن "نشر روسيا لأسلحتها النووية التكتيكية في بيلاروس مرتبط بشكل مباشر بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا".
ويضيف أنه "من المفهوم أنه لولا تصعيد الغرب وتمركز قوات الناتو المسلحة على حدود بيلاروس، وبالذات في بولندا، وأخيرا، وهو الشيء الأكثر أهمية، لو لم يكن هناك استفزاز بريطاني بتزويد أوكرانيا بقذائف اليورانيوم المنضب، فعندها لن تكون هناك حاجة لنشر أسلحة نووية روسية في بيلاروسيا".
وبحسب الخبير، فإنه "كان من الواضح أن كل التحركات العدوانية لدول كتلة الناتو تولد الحاجة ليس لعلاقات عامة أو رد تصريحي بحت، ولكن لرد فعل حقيقي وفعال للغاية من موسكو".
واعتبر أن نشر الأسلحة النووية التكتيكية على أراضي بيلاروسيا في وقت واحد يرد على جميع استفزازات "الناتو" ويوازن الوضع.
وموضحا، يقول الخبير إن "النشر سيردع كييف. وقد كانت هناك استفزازات كافية من كل من أوكرانيا وبولندا".
وشدد على أن "هذا الرد الأنيق على جميع استفزازات الناتو السابقة يجب أن يجبر أولئك الذين في الغرب على إعادة التفكير بأن ألعاب التصعيد هذه، وقناعة النخب الغربية بأن روسيا لن ترد، تستند على مدخلات خاطئة، حيث فسروا النبل الروسي على أنه ضعف".
وأشار إلى أن نشر الأسلحة النووية التكتيكية سيكون له أيضا تأثير على موقف سكان فنلندا فيما يتعلق بدخول هلسنكي المحتمل إلى "الناتو".
بين السطور
في مقال نشرته صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس"، يعلق الكاتب الروسي يخائيل روستوفسكي، عن الواقع الجيوسياسي الذي يخلقه نشر أسلحة نووية روسية في بيلاروسيا.
وجاء في المقال أنه "على الرغم من علاقات التحالف مع موسكو في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، لم تكن بيلاروسيا مغطاة بمظلة نووية".
وأضاف متسائلا: "هذا الواضح على السطح. فما المخفي في الأعماق؟".
وتابع يرد بالقول إن "تقاسم الأسلحة النووية هو أرفع شكل من أشكال الثقة في ظروف القرن الحادي والعشرين. الأسلحة النووية هي أثمن شيء يمكن لدولة أن تشاركه مع دولة أخرى".
وموضحا: "بالطبع، "التقاسم" ليست الكلمة الصحيحة تمامًا. ستبقى الأسلحة النووية الروسية في بيلاروسيا تحت السيطرة الروسية. لكن موسكو لن تكون قادرة على سحب أسلحتها النووية من بيلاروسيا إلا إذا كان هناك اتفاق بهذا الشأن مع مينسك".
وأردف: "أمامنا مبدأ بمفتاحين. وليناقش الخبراء من مفتاحه أكبر ومن مفتاحه أصغر. ومع ذلك، فإن وجود هذا المبدأ في حد ذاته حقيقة علمية مثبتة".
وخلص إلى "حقيقة علمية مثبتة" أخرى أيضًا، مفادها بأنه من الآن فصاعدًا، "إذا نظرنا بعين موسكو، فلا تستطيع مينسك، وليس لها الحق في تغيير توجهها الجيوسياسي".
تخويف؟
في تعقيب فوري على القرار الروسي، أعلنت الناطقة باسم "الناتو"، أوانا لونجيسكو، أن الحلف حذر إزاء قرار موسكو نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، وأكدت أن الحلف يراقب الوضع عن كثب.
وقالت لونجيسكو إن "حلف "الناتو" حذر ونراقب الوضع من كثب"، مضيفة "لم نشهد أي تغييرات في الموقف النووي الروسي من شأنه أن يدفعنا إلى تعديل موقفنا".
من جانبه، وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن، الثلاثاء، الإعلان الروسي بأنه "خطير"، وقال في تصريحات إعلامية بالبيت الأبيض، إنه "إعلان خطير ومثير للقلق".
ورغم المخاوف الغربية، إلا أن مسؤولين أمريكيين أشاروا إلى عدم وجود مؤشرات تدل على أن روسيا بصدد نقل أسلحة نووية.
وقال بايدن "لم يفعلوا ذلك بعد".
وتؤيد تقارير إعلامية الموقف الذي يرى أن القرار الروسي يستهدف تخويف العالم من مصير نووي مرعب، في مناورة تمنح موسكو تقدما في الحرب النفسية التي تعد ضلعا مهما بمعادلة النزاع الدائر شرقي أوروبا.
طرح يدعمه توقيت الإعلان الروسي، والذي يعقب إعلان بريطانيا نيتها إرسال ذخائر باليورانيوم المستنفد إلى أوكرانيا، وفق تصريحات صدرت مؤخرا عن مسؤولة بريطانية من وزارة الدفاع.
فبينما توعد بوتين قبل أيام باستخدام هذا النوع من القذائف إذا تلقت كييف ذخائر مماثلة من الغربيين، كان وزير الدفاع الروسي أكثر مباشرة بقوله إن القرار البريطاني قلَص الخطوات التي تسبق حدوث "صدام نووي" بين روسيا والغرب.
سجال يمنح محللين شبه قناعة أن حرب التصريحات قادرة على توجيه دفة الصراع تماما كما تفعل القوات على الأرض، خصوصا في ظل نزاع طال أمده دون بوادر حسم على المدى القريب على الأقل.
فهل تفلح مظلة روسيا النووية على رأس نظيره البيلاروسي في تأمين وصول جميع رسائل موسكو إلى الغرب؟
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuNDcg جزيرة ام اند امز