"فراغ جيوسياسي".. أوروبا تطارد "شبح" روسيا والصين بغرب البلقان
لم تكن الحرب الأوكرانية صرخة في صحراء واسعة، بل حجرا في مياه راكدة، حركت أمواجا متداخلة من التغيرات الجيوسياسية حول العالم.
أحد هذه الأمواج طالت جزءا مهما في أوروبا.. هو غرب البلقان، أحد أهم المناطق الاستراتيجية في منظمة أمن الاتحاد الأوروبي، والتي يمكن أن تتحول إلى تهديد مباشر في حال وصلتها يد روسيا أو الصين.
لذلك، اكتسب انضمام دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي زخما جديدا في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، ومنح الأخيرة وضع المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وفكرة تسريع عملية انضمام دول غرب البلقان، بالإضافة إلى أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا، برزت بعد 24 فبراير/شباط 2022، كجزء من المناقشات السياسية حول ضرورة أن يعيد الاتحاد الأوروبي تموضعه في الوضع العالمي الجديد.
وفي هذا الإطار، دفعت دول وسط أوروبا، خاصة ألمانيا، بقوة في اتجاه توسيع الاتحاد الأوروبي ليضم دول غرب البلقان.
وفي تحرك تكتيكي لافت، عقد الاتحاد الأوروبي في 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أول قمة على الإطلاق بين قادته وقادة غرب البلقان تُعقد في منطقة غرب البلقان، وبالتحديد في تيرانا عاصمة ألبانيا.
وكانت القمة فرصة لإعادة تأكيد الأهمية الرئيسية للشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ودول غرب البلقان، وهي منطقة ذات منظور واضح للاتحاد الأوروبي، وفق بيان صدر عن التكتل يوم القمة.
مراحل مختلفة
بدوره، أكد المستشار الألماني أولاف شولتز، بالتزامن مع هذه القمة، أن من مصلحة ألمانيا وأوروبا انضمام دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي.
ورحب شولتز بإحياء محادثات الانضمام إلى الاتحاد مع دول غرب البلقان الست في الأشهر السابقة على القمة، ورحب بالقرار الذي اتُّخذ قبل أيام من القمة، بمنح البوسنة وضع "مرشح".
وأضاف: "من مصلحة ألمانيا وأوروبا أن تصبح بقية دول البلقان جزءاً من الاتحاد الأوروبي".
ودول غرب البلقان هي في مراحل مختلفة من الانضمام إلى الكتلة الأوروبية، فقد شرعت صربيا ومونتنيغرو في المحادثات بالفعل، بينما وقّعت البوسنة وكوسوفو فقط معاهدة الاستقرار الأوروبي، وهي أول خطوة في عملية طويلة.
فيما اعترضت دول عدّة في الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها هولندا وفرنسا، في السابق، مفاوضات انضمام مقدونيا الشمالية وألبانيا، بسبب "الفساد المستشري" فيهما، وفشلهما في "تطبيق الديمقراطية".
"فراغ جيوسياسي"
وكان رئيس البرلمان الأوروبي الراحل ديفيد ساسولي (توفي في يناير/كانون الثاني 2022)، أول من دعا قادة الاتحاد الأوروبي إلى التغلب على العقبات الراهنة لدفع مفاوضات انضمام دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي.
وحذر ساسولي من "فرض نفوذ أطراف أخرى على المنطقة حال تأخر الاتحاد الأوروبي في ضم دول غرب البلقان"، وكان هذا قبل حتى اندلاع الحرب في أوكرانيا.
تحذير ساسولي تكرر أمس لكن على لسان رئيس النمسا ألكسندر فان دير بيلين، الذي حذر في مستهل زيارة إلى ألبانيا "من فراغ جيوسياسي في غرب البلقان إذا فشلت محاولات تحقيق تقدم في التقارب بين المنطقة والاتحاد الأوروبي".
وقال فان دير بيلين بعد وصوله إلى ألبانيا، أمس: "يجب ألا تسمح دول الاتحاد الأوروبي بتطور الفراغ هنا". وأعرب عن سروره لأن الحرب الروسية في أوكرانيا "أفسحت فجأة المجال لتوسع التكتل باتجاه هذه المنطقة".
كما حذر الرئيس النمساوي من أنه في حال حدوث فراغ جيوسياسي في غرب البلقان فإن خيار دول المنطقة سيكون بين روسيا والصين.
الدبلوماسي الألماني المخضرم والرئيس السابق لمؤتمر ميونخ للأمن وولفغانغ إيشنغر دعا، في مقال بصحيفة بولتيكو الأمريكية، قبل أيام، إلى "نقطة تحول" في السياسة الأوروبية تجاه غرب البلقان.
وقال "تسببت حرب روسيا ضد أوكرانيا في انهيار الهيكل الأمني الأوروبي الحالي، مما أدى إلى تغييرات جوهرية في السياسات الخارجية والدفاعية عبر القارة"، مضيفا أن "جنوب شرق القارة الأوروبية يحتاج إلى نقطة تحول سريعة".
ومضى قائلا "اضطرت دول غرب البلقان إلى التعايش مع قضاياها ونزاعاتها العالقة لفترة طويلة جدا، لقد حان الوقت لاتخاذ قرارات جريئة للتغلب على عقبات الماضي، مما يمهد الطريق نحو التعاون الإقليمي والعضوية المستقبلية في الاتحاد الأوروبي".
مخاطر عدة
ووفق تحليل سابق لصحيفة بوليتكو نشر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، يتعين على قادة الاتحاد الأوروبي اغتنام اللحظة الجيوسياسية الحالية لتجديد اندماج الدول الست الصغيرة والهشة اقتصاديا التي يبلغ إجمالي عدد سكانها أقل من 18 مليونا في الاتحاد، أو المخاطرة برؤيتها تستغل من قبل روسيا والصين في صراع القوة والنفوذ.
وحددت الصحيفة مخاطر عدم التسريع في احتواء غرب البلقان في الاتحاد الأوروبي، وهي "تحالف هذه الدول مع روسيا، أو بروز منطقة مناوئة للتكتل وغير ليبرالية يمكن أن تمتد إلى المجر/أو الأسوأ من ذلك، وهو انزلاق غرب البلقان إلى صراع مسلح جديد يفاقم أزمات الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية في دول التكتل الأوروبي.
aXA6IDMuMTQ5LjIzNS42NiA= جزيرة ام اند امز