روسيا تعلم جيدا أن الجانب التركي لن يستطيع الالتزام ببنود الاتفاق أو أن يفرض كلمته لتطبيق التزاماته ولا سيما المتعلق بنزع السلاح
كلما تعقد المشهد على الساحة السورية ميدانياً تتسارع وتيرة التحركات السياسية والدبلوماسية ولا سيما بين "موسكو" و"أنقرة" في سباق ماراثوني صار شبه روتيني حتى على مستوى الحلول أو التفاهمات المتوقعة بين الطرفين الروسي ومن ورائه الحكومة السورية والتركي ومن خلفه المعارضة السورية في سياسة ثابتة قائمة على قضم ما أمكن من الأرض بين كل اتفاق وآخر ففي واقع الأمر إن التفاهمات أو الصيغ التي تتمخض عنها المؤتمرات والقمم المشتركة الروسية التركية ومنذ اتفاق مناطق خفض التصعيد لم تشهد تغيراً جوهرياً بل كانت دائماً هي ذاتها لا تتغير إلا الخريطة الجغرافية التي لطالما كانت لصالح الروس والحكومة السورية, فما الذي يمكن أن يتغير باللقاء الروسي التركي المزمع انعقاده يوم الخميس 5/3/2020 على خلفية الأحداث الأخيرة في "إدلب" التي شهدت مواجهات عنيفة كبدت تركيا خسائر لا يستهان بها في العتاد والأرواح ولأول مرة يقضي بها جنود أتراك؟
من خلال قراءة ما اكتنفه المشهد السوري من أخذ ورد على مدى سنوات طويلة اتسمت بسياسة العصا والجزرة فلا يتوقع الكثير من هذا اللقاء بالنسبة لطموحات "أردوغان" الذي لطالما كان مرتهناً بالرضوخ للتفاهمات الروسية الملفوفة بقناع التعامل الروسي مع "أردوغان" بما يوحي له وكأنه ندٌّ ونظيرٌ وهو ما يرضي غروره وتبجحه السياسي
من خلال قراءة ما اكتنفه المشهد السوري من أخذ ورد على مدى سنوات طويلة اتسم بسياسة العصا والجزرة فلا يتوقع الكثير من هذا اللقاء بالنسبة لطموحات "أردوغان" الذي لطالما كان مرتهناً بالرضوخ للتفاهمات الروسية الملفوفة بقناع التعامل الروسي مع "أردوغان" بما يوحي له وكأنه ندٌّ ونظيرٌ وهو ما يرضي غروره وتبجحه السياسي لتخرج بتفاهمات قديمة جديدة وكأنها قائمة على مبدأ لنترك الماضي ونبدأ من جديد على ذات التفاهمات ولكن ليست على ذات الأرض.
وضمن هذه المعطيات فليس من المتوقع أكثر من المحافظة على الوضع الراهن وإيقاف إطلاق النار بعبارات سياسية تشدد على ديمومته وإعادة انتشار لنقاط المراقبة وتفعيل الدوريات المشتركة الروسية التركية والتشديد على أن كل طرف يضمن حلفاءه وعلى أن تضمن تركيا نزع السلاح الثقيل من العناصر المعارضة وحصرها بالقوات التركية المتواجدة على الأرض السورية وبالجيش الوطني المدعوم تركياً وربما يتضمن الاتفاق في حال تطبيق هذه البنود الموافقة على منطقة آمنة تحت سيطرة القوات التركية بعمق لا يتجاوز العشرين إلى الثلاثين كيلومترا.
من الناحية النظرية يبدو هذا الاتفاق مرضياً وربما يقرأ على أنه نصر سياسي لـ"أردوغان" من خلال تضمينه ولأول مرة بند "المنطقة الآمنة" إلا أن حقيقة الأمر هذا البند ليس إلا الجزرة التي تلوح بها "موسكو" بعد العصا التي أسفرت عن تقهقر الوجود التركي وخسارته مع الفصائل المدعومة تركياً على جبهة إدلب وخسارتها مساحات واسعة وما اكتنفها من صدامات مباشرة مع الجيش التركي الذي لحقت به خسائر في العتاد والأرواح على يد الجيش السوري وحليفته روسيا.
إلا أن هذا ليس إلا فخاً روسياً يُبنى لأردوغان في "إدلب" فروسيا تعلم جيداً أن الجانب التركي لن يستطيع الالتزام ببنود الاتفاق أو أن يفرض كلمته لتطبيق التزاماته ولا سيما المتعلق بنزع السلاح الثقيل الذي لا طاقة لأنقرة على نزعه من التنظيمات المعقدة الولاءات والقيادات داخل إدلب التي لم يبقَ فصيل مسلح على الأرض السورية إلا ونُقل إليها بولائه ورايته وداعمه لتصبح تركيا اليوم أمام خيارين أحلاهما مر؛ الأول أن تصطدم مع هذه الفصائل لإخضاعها وإجبارها على نزع سلاحها لتطبيق الاتفاق وهو ما سيدخلها المستنقع الذي إن دخلته فلن تخرج منه كما دخلت والخيار الثاني أن تفشل في ذلك فتصبح هي من لم يلتزم بالاتفاق والمتهمة بخرقه مما يجعل الأمر الذي لا بدّ منه هو الصدام مع الجيش السوري والحليف الروسي لقضم المزيد من الأرض والعودة لاتفاق آخر كما جرت العادة.
فما يحدث وما ينتج من اتفاقات يوحي بأن ذلك ليس إلا فخاً روسياً تدخله أنقرة لتجد نفسها بعد فترة من الهدوء تعقب الاتفاق أمام مأزق آخر وتصعيد جديد وضربات خاطفة تفقدها المزيد من الأرض والأوراق السياسية لتدخل جولة جديدة من الاتفاقات والتنازلات وهي أكثر ضعفاً حتى تجد نفسها خارج الحدود بخسائر سياسية وعسكرية تذهب أدراج الرياح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة