اعتدنا تلقي أخبار مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل الأفريقي وسير العمليات العسكرية الفعالة للغاية، التي تقودها الجيوش الوطنية.
ومنذ بضعة أشهر، دفعت مالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا وكوت ديفوار وغانا وتوجو وبنين بجيوشها في هذه العمليات القتالية، وهو أمر إيجابي للغاية، لكنه لم يُنه مشكلة الإرهاب في أفريقيا.
فلا يبدو أن ظاهرة الإرهاب ستنتهي على المدى القصير، بدليل أنه تمّت مؤخراً مصادرة بنادق هجومية في ميناء كوناكري، وهي في طريقها إلى الساحل، وبعد بضعة أيام، صودرت شحنة مماثلة في أغاديز بشمال النيجر، حيث تمكنت الشرطة من إحباط عملية تهريب كمية معتبرة من الأسلحة.
لكن النيجر اختارت استخدام بديل آخر لمحاربة الإرهاب دون مواجهة قتالية، أي من خلال التعامل المباشر مع الإرهابيين عبر إجراء مباحثات سرية منفردة مع عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، وإذا سارت الأمور حسب ما تم الاتفاق عليه، فإن النيجر ستتخلص "مؤقتاً" من الإرهاب لينتقل إلى بلدان جوارها.
هذا التكتيك جمع بين متناقضات، فمن جهة يرحب بمغادرة الجنود الفرنسيين، ومن جهة أخرى يستقبل "مبعوثي داعش".. ويبدو أن تجربة بوركينا فاسو في الاستعانة بمستشار أمني تُطبَّق حاليا في النيجر على نحو مماثل، فحين استعانت بوركينا فاسو بهذا المستشار، الذي عمل لصالح حكومتها، كان لا أثر للإرهاب على أراضيها.
كذلك فعلت السلطات النيجيرية، حيث التقت الإرهابيين في الفترة من 13 إلى 16 مارس/آذار 2021 في بني بانغو، على بعد نحو 30 كيلومتراً من الحدود مع مالي.
واعتباراً من أبريل/نسيان 2021، أبرمت الحكومة النيجيرية اتفاقية "عدم اعتداء" مع كتيبة جاس "بوكو حرام"، وفي مايو/أيار 2021 تم الاتفاق مع تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى.
وفي الأشهر الثلاثة الماضية، أطلق رئيس النيجر سراح سبعة إرهابيين معتقلين، بل واستقبلهم في القصر الرئاسي.
هذا النهج الجديد، ربما يحل مشكلة مؤقتة لكن الظاهرة الإرهابية ستظل قائمة وتهدد جميع بلدان الجوار، وقد تعود إلى النيجر ونيجيريا وبوركينا أشرس مما كانت. طريقة ثالثة لمكافحة الإرهاب يتم تنفيذها حالياً في كوت ديفوار بالتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية والاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من بين جهات أخرى، وتتمثل في اعتماد تدابير اقتصادية واجتماعية على المدى المتوسط والطويل. إذ خصصت حكومة كوت ديفوار نحو 282 مليون يورو لتنمية المناطق الست في شمال البلاد المهددة بخطر تجنيد الشباب من قبل الإرهابيين.. وبهذه الخطة تسعى الحكومة لتوفير فرص التدريب والاندماج لما يصل إلى 19812 شاباً.
وتسعى الخطة لتوفير رخص القيادة والتدريب المهني والتكوين لملء الوظائف من ناحية، وتنفيذ هذه الإجراءات لخلق مشاريع صغيرة مدرّة للدخل من ناحية أخرى، فيما تهدف المرحلة الثانية من الخطة إلى العمل على الجوانب التالية:
1-القضاء على الهشاشة الاجتماعية في منطقة الحدود الشمالية
2-عدم التسرب من التعليم
3. تحسين الظروف المعيشية للأسر
4. دعم الاندماج المهني للشباب والخدمة المدنية
5. التغطية الاجتماعية للفئات الضعيفة دخلا من السكان
مبادرة الحكومة الإيفوارية ممتازة، رغم أن الموارد المقدمة لها لن تكون كافية.. فيجب ألا ننسى أن هذه الحلول قد تأخرت كثيراً، إذ كان يجب أن يتم تفعليها منذ سنوات، ليس فقط في كوت ديفوار، ولكن في جميع أنحاء غرب أفريقيا.. فقد ساعدت نقاط الضعف والهشاشة الاجتماعية في جعل تلك المناطق مكاناً مثالياً لاستقرار الإرهابيين.
ويكفي التذكير بأنه في هذه المنطقة الأفريقية هناك 72٪ من السكان تقل أعمارهم عن 25 عاماً، ولديهم فرص عمل قليلة أو معدومة، لذا فإن الهجرة هي الحل الأفضل بالنسبة لهؤلاء، وفي أسوأ الأحوال يتعاونون مع مهربي المخدرات أو ينضمون إلى التنظيمات الإرهابية لإيجاد دخل مناسب، لكن الدخول إلى هذه التنظيمات ليس كالخروج منها، فمغادرتها مستحيلة، وما لم تتم معالجة المعضلة الاقتصادية والاجتماعية، فإنه في غضون 30 عاماً ستتحول المنطقة إلى فوضى تؤدي إلى انهيار دول غرب القارة.
الشيء الأخطر، أنه إذا انخرط هؤلاء الشباب في التعاون مع الإرهابيين أو تجار المخدرات، فليس من المتصوّر مستقبلا أنهم سيكونون على استعداد للعمل يوماً كاملاً مقابل أجر زهيد، فلن يسمح لهم دخلهم حينذاك بالحصول على كماليات توفرها لهم التنظيمات الإرهابية، في مقابل شراء أرواحهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة