تنظيم الفنية العسكرية الإرهابي في مصر عام 1974 حاول الانقلاب على السادات
"إذا شغلتك ظاهرة ما في الحاضر فارجع إلى ماضي هذه الظاهرة، وقتها ستكشف لك تلك الظاهرة عن نفسها وتصبح أمامك عارية" هي إذا تلك القاعدة التي طالما كانت كاشفة لنا في فهم واقع التنظيمات التكفيرية الإرهابية التي تتحرك تحت رداء وأدبيات مستمدة خطأ من الدين الإسلامي، مثل داعش والقاعدة والسلفيات الجهادية بكل أشكالها حتى الرحم الذي خرجت منه جميعها وهو "جماعة الإخوان".
تحدثت في مقالات سابقة عن حقبة السبعينيات باعتبارها محطة الارتداد الحقيقي لفهم تأسيسية تلك الجماعات أو تطورها، وأكمل الآن مسلطا ضوءا على زاوية مظلمة قد تكون منسية لدى البعض في التاريخ السبعيني المرتبك، وهي تلاقح مجموعة من الأفكار في عقليات مريضة نفسيا أنتجت لنا أفكارا دموية تجسدت لنا في أشكال إرهابية تبدل رداءها بين الحين والآخر.
فتنظيم الفنية العسكرية الإرهابي في مصر عام 1974 الذي حاول الانقلاب على السادات لا يختلف في فكرته عما قاله أسامة بن لادن ودعا له أيمن الظواهري في أدبيات القاعدة، ولا يختلف عما يقوله وينادي به أبوبكر البغدادي في الفكر الداعشي.
خرجت جماعة الإخوان إلى العراق مثلا وعادت إلى مصر في صورة "صالح سرية" لينشر فكره الجهادي التكفيري العابر للحدود الذي تفوق في تكفيرته عن ملهمهم ومعلمهم سيد قطب وسأتحدث عن ذلك لاحقا.
وخرجت إلى الأردن وعادت إلى مصر في صورة "محمد سالم رحال" الذي أسس" تنظيم الجهاد الإسلامي" وحاول اغتيال السادات. لكن تنظيمه كُشف وقُبض عليه وتم ترحيله إلى الأردن ليعيد تأسيس التنظيم نفسه في الأردن ثم يقبض عليه ويعتقل ويخرج من السجن مريضا نفسيا يطعن أباه بسكين ويقتله، وتفسير الجميع أن جنون سالم رحال ليس جنونا طارئا بل كان متأصلا فيه.
نحن هنا أمام مجموعة من المتغيرات شديدة الأهمية، والتركيز عليها يكشف كثيرا من المعتقدات الخاطئة التي تبنتها تلك التنظيمات وبنت وأضافت عليها: أولها مثلا أن صالح سرية ومحمد سالم رحال هما فلسطينيان خرجا من فلسطين يحملان الفكرة الفلسطينية المقاومة للإسرائيلي المحتل التي تم تشويهها وسرقتها لتتحول إلى فكرة انتشرت بعد ذلك وهي ما أطلقوا عليها "الجهاد العالمي" أي المتخطي فكرة الحدود للوطن الواحد.
وهنا أشير إلى نقطة مهمه ظهرت حين جاء الطلبة الفلسطينيون للدراسة في الجامعات المصرية حيث انقسموا فيما بينهم أمام فكرتين أساسيتين للمقاومة أو الجهاد؛ فكرة المقاومة من الداخل بغض النظر عن المرجعية الدينية، وفكرة الجهاد من الخارج المستندة على مرجعية دينية.
الفكرة الأولى تبنها طلاب فلسطينيون أبرزهم "فتحي الشقاقي" و"عبدالعزيز عودة" وفعلا عادا إلى فلسطين وأسسا "جماعة الجهاد الإسلامي" لا تزال موجودة حتى الآن. أما فكرة الجهاد من الخارج فتبناها كل من صالح سرية ومحمد سالم رحال.
أفكار صالح سرية المميتة التي لا تزال تحيا حتى الآن رغم أنه تم إعدامه التي تمثلت في كتابه "رسالة الإيمان" وصنف باعتباره أكثر خطورة من حاكمية سيد قطب وأبو الأعلى المودودي مجتمعين؛ لأن فكرة ومصطلحات صالح سرية هي التي لا تزال تستخدم على ألسنة داعش والقاعدة
واختارا مصر لينفذا مخططهما الجهادي التكفيري، صحيح أن التنظيم الذي أسسه كل منهما فشل فقد قبض على الأول وأعدم وقبض على الثاني وتم ترحيله إلى الأردن، لكن الكارثة الكبرى حدثت في نقطتين خطيرتين:
الأولى هي أفكار صالح سرية المميتة التي لا تزال تحيا حتى الآن رغم أنه تم إعدامه التي تمثلت في كتابه "رسالة الإيمان" وصنف باعتباره أكثر خطورة من حاكمية سيد قطب وأبو الأعلى المودودي مجتمعين؛ لأن فكرة ومصطلحات صالح سرية هي التي لا تزال تستخدم على ألسنة داعش والقاعدة وغيرهما.
أما الثانية، فهي تأثير محمد سالم رحال باعتباره شيخا، واجتمع حوله مريدون تشربوا فكره ولما أبعد عن مصر إلى الأردن نفذوا ما كان يدعو إليه، وسأشير هنا إلى اسمين اثنين فقط، أولهما شكري مصطفى صاحب جماعة التكفير والهجرة الذي خطف وقتل الشيخ الذهبي عام 1977 وأعدم على إثرها، ومحمد عبدالسلام فرج صاحب كتاب "الفريضة الغائبة" الذي كان النهج الحقيقي الذي تبنته الجماعة الإسلامية وكونت على إثره الجناح العسكري وقتلت السادات عام 1981 وارتكبت كثيرا من المجازر والاغتيالات أبرزها مجزرة الأقصر عام 97 واغتيال رفعت المحجوب مثلا.
حين نتحدث عن أفكار التكفير نعود دائما إلى سيد قطب و"أبو الأعلى المودودي " رغم أن هناك مؤلفات وكتبا أكثر خطورة مما تركه قطب والمودودي وهنا أشير إلى "كتاب رسالة الإيمان لـ"صالح سرية". هذا الكتاب الذي صدر عام 1973 ثم سعى مباشرة إلى تنفيذ جميع ما جاء فيه حين أسس في مصر تنظيم الفنية العسكرية عام 1974، وحاول تنفيذ انقلاب عسكري ضد السادات وقتله..
هذا الكتاب "رسالة الإيمان" هو المرجع الرئيس للجماعات التكفيرية في القواعد الفقهية والمصطلحات التي كانت ولا تزال مصطلحاتهم حتى الآن مثل: دار الإسلام، ودار الكفر، والمجتمع الجاهلي، والفئة المؤمنة، والكفار، وتطبيق شرع الله، والطاغوت.. إلى آخر تلك المصطلحات، فهو يقدم في كتابه تعريفا لدار الإسلام "بأنها تلك التي يحكم فيها بالشريعة وتكون الكلمة العليا فيها لله حتى لو كان كل سكانه كافرين ودار الكفر هي التي لا يحكم فيها بالإسلام حتى لو كان كل شعبها من المسلمين".
كما يكفر سرية كل من يشترك في حزب شيوعي أو بعثي أو قومي أو اشتراكي، معتبرا المشاركة في هذه الأحزاب كفرا صريحا والجهل بهذه الأمور لا يفيد صاحبه، بحسب زعمه.
ويشير الكتاب إلى أن هناك طقوسا شركية جديدة ظهرت في هذا العصر، وهي تحية العلم، والسلام الجمهوري، وتحية قبر الجندي المجهول، فكل مَن يقوم بهذه الأفعال هو مشرك يعبد الأصنام، بحسب زعمه وهنا أذكركم بأول جلسة في برلمان الإخوان 2012 إبان حكم محمد مرسي حين رفض البعض تحية العلم باعتبار ذلك كفرا.
وفي نهاية الكتاب وضع سرية ثلاث قواعد للتكفير، القاعدة الأولى ترتكز على أن الإيمان بالله يقتضي بأنه وحده الذي يرسم منهاج الناس وشرائعه، وعلى البشر أن يسيروا وفق ما شرع الله، وإلا فإنهم كفار، فمن رفض هذه القواعد فهو كافر.
القاعدة الثانية أن من قصر الإسلام على العبادة، وأعطى الحرية لنفسه في أن يختار النظام الذي يريده أو حارب تدخل الإسلام في السياسة فقد كفر.
القاعدة الثالثة أن أركان الإيمان هو "الإقرار بالجنان، والتكلم باللسان، والعمل بالأركان" فمن اختل ركن واحد لديه يُحكم عليه بالكفر وتجاهل أن الإيمان يزيد وينقص".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة