كان بإمكان قيادة التحالف العربي اتباع أساليب التسويف، وتأخير صدور قرار لجنة التحقيق، ووضع العراقيل أمام عمل اللجنة، إلا أنها اختارت الوقوف إلى جانب الحقيقة، وارتضت نتائج التقرير
كان بإمكان قيادة التحالف العربي اتباع أساليب التسويف، وتأخير صدور قرار لجنة التحقيق، ووضع العراقيل أمام عمل اللجنة، إلا أنها اختارت الوقوف إلى جانب الحقيقة، وارتضت نتائج التقرير
بلغة الكبار، وأساليب الشفافية، والرغبة في إظهار الحقيقة، مهما كانت تفاصيلها، أعلن التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، قبوله تقرير لجنة التحقيق في حادثة قصف صالة العزاء في العاصمة اليمنية صنعاء، السبت قبل الماضي، وأكد فتح تحقيق فوري لمعرفة الجهة المتسببة داخل هيئة أركان الجيش اليمني، في إرسال إحداثيات ومعلومات مغلوطة، لمركز التحكم، وجدد التزامه بمعاقبة كل من يثبت تورطه في ذلك الحادث الأليم.
وبعيدا عن لغة التهليل والإشادة المفرطة، إلا أن شجاعة الموقف السعودي لفتت أنظار المتابعين، واستجلبت إشادة عدد من الدول الكبرى، وفي مقدمتها بريطانيا، التي قالت إنها تقدر الشفافية التي تعاملت بها الرياض مع تقرير اللجنة. وهو موقف يحسب لقادة المملكة، الذين لم يتدخلوا أصلا في الأزمة اليمنية، إلا استجابة لرجاء ومناشدة حكومتها الشرعية، بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، بخطاب رسمي، وهو التدخل الذي حظي بموافقة الدول الكبرى والأمم المتحدة، التي فوضت في قرارها الشهير رقم 2216 التحالف بمراقبة الشواطئ والمطارات والمنافذ اليمنية، ومنع أي محاولات لتهريب الأسلحة إلى اليمن.
الخطير في تقرير اللجنة هو تلميحها إلى احتمال وجود اختراق في هيئة الأركان اليمنية، وهو أمر إن صحَّ فإنه يستوجب عملا كبيرا، يبدأ بتحديد جهة الاختراق والعناصر المزدوجة الولاء، وتوقيفها وإحالتها لمحاكمات عاجلة رادعة تتناسب مع فداحة الجرم الذي ارتكبته، وكشف الجهة التي تقف خلفها، ودوافعها التي تقف وراء تقديم هذه المعلومات المضللة، وإن كانت الدوافع معلومة للكل وليست بحاجة إلى إيضاح. ومما يعزز هذا الاحتمال التأخير الذي يشوب عمل لجان المقاومة الشعبية والجيش الموالي للشرعية، رغم الجهد المكثف الذي تقوم به مقاتلات التحالف العربي في إضعاف مواقع المتمردين الحوثيين وحليفهم المخلوع، علي عبدالله صالح، وتدمير مقدراتهم العسكرية، والأسلحة النوعية التي زودت بها المقاتلين، ووسائل الاتصال المتقدمة التي وفرتها لهم، وغير ذلك من المساعدات اللوجستية المتعددة، إلا أنه من الواضح أن الطابور الخامس الذي يوجد بين قيادة الأركان يبذل كل ما بوسعه لإضاعة تلك الجهود وإضعاف تأثيرها.
من المهم أن تبذل الحكومة الشرعية كافة الجهود المطلوبة لضمان عدم وجود عناصر مدسوسة وسط قياداتها العسكرية، لأن دماء عناصر المقاومة الشعبية غير قابلة للمساومة والمزايدة، وأرواح عناصر التحالف الذين سقطوا في أرض اليمن الطاهرة ورووا ترابها بدمائهم أغلى من كل ادعاءات التمرد وزيف شعاراته.
وعودة إلى التقرير الذي امتاز بالشفافية، والرغبة في الوصول إلى الحقيقة المجردة، فقد كانت تفاصيله ومفرداته منتقاة بعناية، ورغم أنه أثبت أن غارة جوية هي التي أدت إلى سقوط ذلك العدد الكبير من الضحايا، إلا أنه أكد بالدليل القاطع، وبعد التحقيق الوافي أن العملية جاءت بعد معلومات مغلوطة، تشير إلى وجود مسلحين في الموقع المستهدف، وزاد بأن غرفة التحكم في العمليات الجوية مررت تلك المعلومة إلى الطائرات المقاتلة، دون الرجوع إلى مركز قيادة التحالف في الرياض، وهو ما يؤكد حسن النية، وينفي وجود استهداف مسبق.
كان بإمكان قيادة التحالف العربي اتباع أساليب التسويف، وتأخير صدور قرار لجنة التحقيق، ووضع العراقيل أمام عمل اللجنة، إلا أنها اختارت الحل الأصعب، ورأت الوقوف إلى جانب الحقيقة، وارتضت نتائج التقرير، وأكثر من ذلك تعهدت بفتح تحقيق فوري لتحديد هوية الجهة المتسببة فيما حدث، وإيقاع العقاب المناسب بحقها. وهذه سابقة تحمد للمملكة وتسجَّل باسمها، استحقت احترام الجميع، لأنها وافقت على نتائج التحقيق بدون أي ضغوط دولية، بل إن سرعة إنجاز لجنة التحقيق لعملها، في أيام معدودة لم تتجاوز الأسبوع الواحد، رغم العراقيل الميدانية والأخطار الأمنية، كان سببا في إصابة الكل بالدهشة، من دقة العمل والشجاعة على إصدار القرار.
وأعلنت قيادة التحالف في مناسبات عديدة أنها لا تستهدف أماكن المدنيين، مهما كانت الأسباب والمغريات، وأثبتت أنها أحجمت مرات كثيرة عن قصف شخصيات عسكرية رفيعة تتبع لطرفي التمرد، لأنهم كانوا في مواقع يشتبه بوجود مدنيين فيها، ولعل آخر تلك الحالات هو عدم استهداف مجلس عزاء أمين صنعاء السابق عبدالقادر هلال، رغم أن رأس الأفعى وأصل الداء، علي صالح، كان يوجد في المكان، برفقة قادته العسكريين، حسبما رصدته عناصر الجيش الوطني. كما أن المذكور كان يوجد في شهر أغسطس الماضي في ميدان السبعين، في تظاهرته الشهيرة، إضافة إلى وجود قيادات الجماعة الحوثية في احتفال تدشين ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى، ورغم ذلك لم تستهدفهم قوات التحالف وطائراته، بل إن أوامر عسكرية صارمة صدرت لعناصر المقاومة الشعبية بعدم القيام بأي عمليات عسكرية في تلك الأوقات، وهو ما يؤكد الحرص المتناهي على ضمان أرواح المدنيين الأبرياء.
ولعله من نافلة القول الإشارة إلى أن مثل تلك الأخطاء واردة الحدوث وطبيعية، رغم الألم الذي اعترى قادة المملكة وشعبها لسقوط مدنيين أبرياء في الحادث، إلا أن أي جهد بشري قابل للخطأ والصواب، لكن المهم في مثل هذه الحالات هو امتلاك الشجاعة للاعتراف بالخطأ، والاجتهاد لضمان عدم وقوعه مستقبلا، والعمل على تحديد الجهة المخطئة ومعاقبتها، وهو ما فعلته قيادة التحالف بالفعل.
* نقلاً عن " الوطن أون لاين "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة