«الجهيش».. سنابل اليمن من طقوس المزارع إلى أغنيات الحقول
علاقة متبادلة يعيشها المزارع اليمني مع أرضه، في الوديان الزراعية والمدرجات والشِعاب، بدأت منذ آلاف السنين، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
وبين فترة نمو الزرع وقرب الحصاد، يأتي موسم "الجهيش" أو ما يُطلق عليه "الصعيف" في بعض مناطق اليمن، وهو المرحلة الأولى لنضج حبات السنابل.
طقوس الجهيش
وللجهيش طقوس متوارثة تستمد ألقها وخصوصيتها من إحيائها المتواصل في كل المواسم، حيث تُعقد الجلسات المتعددة في الوادي وخلالها يشعل الصُعد "الوقد" الذي يوضع فيه الجهيش، بعد أن تستقر الجمر، ويتم تناوله وهو ساخن.
والجهيش يتكون من نوع "الهند" أو سبول "الذرة" و"الدُخن" و"الغرب"، في وقت لا تكون حبّاته قد بلغت القسوة، حيث تبلغ فترة الزراعة باليمن مدة 6 أشهر.
ويبدأ موسم الجهيش في أواخر شهر سبتمبر/أيلول من كل عام، بعد أن تكون فترة الزراعة قد قضت وقتها، وبدأت حبات السنابل في النضوج، ويستمر الموسم لمدة شهر.
وهناك أكثر من طريقة لتحضير "الجهيش" في الأرياف اليمنية. ومن هذه الطرق "الخُميدة"، وتكون غالباً من الهند "الذرة الشامية" والدُجر والكشري، ويتم وضعها في القدر وإضافة الماء والملح، وغليها، ويتم تناولها غالباً بعد وجبات الطعام، وتمتاز بطعمها اللذيذ.
موسم الطقوس
ويقول الناشط الإعلامي اليمني معتصم الجلال لـ"العين الإخبارية"، إنه غالباً ما يبدأ موسم الجهيش قبل الحصاد بفترة قصيرة، وهي فترة ممتعة للمزارعين وساكني الريف بشكل عام.
ويضيف الجلال أن جلسات "الجهيش" غالباً ما تكون لأخذ الراحة بعد صباح حافل بالأعمال داخل الحقول والأراضي الزراعية.
وأشار إلى أنه في هذه الأيام يعج الريف اليمني بهذه الطقوس ومعها يسترجع المواطنون خصوصاً مَن أبعدتهم الغربة والعمل عن مواطنهم الأصلية ذكريات هذه الطقوس.
وتغنى الفنانون والشعراء بموسم "الجهيش"، وهناك العديد من الأغنيات الشعبية القديمة التي تتغزل في هذا الموسم والذي يعد عرساً زراعياً.
أغاني الحقول
ومن أبرز الأغنيات اليمنية القديمة الخاصة بالجهيش، أغنية "أخضر جهيش مليان حلا عديني"، والتي ترجع كلماتها للشاعر أحمد الجابري، وغناها الفنان محمد مرشد ناجي، وما زال اليمنيون يرددونها إلى وقتنا الحاضر.
وجاء في مطلع الأغنية:
"أخضر جهيش مليان حلا عديني
بكّر غبش شفته الصباح بعيني
يملي الجرار ريق الندى رحيقه
يروي ضمأ من ضاع عله طريقه".
ومن الأغنيات التي يتغنى بها اليمنيون بشكل مستمر خصوصاً في موسم "الجهيش"، والتي جاءت كإغراء للمغترب اليمني لأجل أن يعود إلى بلاده وأهله، هي أغنية "ارجع لحولك" للشاعر عبدالكريم مريد، وغناها الفنان اليمني أيوب طارش عبسي.
وجاء في مطلع الأغنية:
"ارجع لحولك كم دعاك تسقيه.. ورد الربيع من له سواك يجنيه؟
والزرع أخضر والجهيش بالأحجان (السنابل)".
ومن الأغنيات أيضاً التي ورد فيها "الجهيش"، أغنية "مطر مطر" للفنان أيوب طارش، والتي كتب كلماتها الشاعر حسن عبدالله الشرفي وجاء في مطلعها:
"مطر مطر والضِبا بينه تدور مكنّه.. يا ليت وأنا سقيف
يا ليتنا خُدر بدوي كُلهن يدخلنه.. لوما يروح أم خريف
يا ليتنا كوز بارد وحدهن يشربنه.. على شوية صعيف"
أما الفنان اليمني عبدالباسط عبسي، فتغنى بالجهيش بطريقته الخاص، وخص له أغنية كاملة، وتعود كلماتها للشاعر سلطان الصريمي، وفيها يتحسر على حال المغترب الغائب عن أرضه وخيراتها، ومنها أغنية "أنتي يا منيتي"، حيث تقول بعض كلماتها: "اقتطب يا بتول واتهردي يا بنية.. السبول بالحقول تعزف بلحن الثريا.. والمطر والسيول من آب أغلى هدية".
وفي المقطع الآخر من ذات الأغنية جاء فيها:
"يا آب واحسرته.. من كان بلاده بعيد
يخور يذوق غِلته.. جهيش حالي جديد
محروم من فرحته.. حزين جمعة وعيد".
كما لدى الفنان عبدالباسط العبسي أغنية أخرى تتحدث عن الحنين للغائب، ولم يجد الشاعر هنا التعبير عن اشتياق المحبوبة للحبيب الغائب أفضل من "الجهيش".
وتقول بعض كلمات أغنية "واقمري غردي"، التي كتبها الشاعر اليمني محمد عبدالباري الفتيح:
"يوم السلا يا قمري يوم وصوله
حتى الطريق بالورد شفرشه له
واطعمه بايدي جهيش سبوله".