مافيا "سرقة الرمال".. استنزاف لموارد البيئة في الهند
الرمال والحصى والحجارة تمثل أكبر حجم من المواد المستخرجة على مستوى العالم، وفقا للأمم المتحدة، والتي تقدر بنحو 50 مليار طن متري
علمت الناشطة البيئية الهندية سميرة عبدوللي أن شيئا خاطئا يحدث عندما بدأ الشاطئ في الاختفاء.
يقع الشاطئ المقصود في جنوب مومباي، حيث تمتلك سميرة وأسرتها عقارا وارتبطوا دائما بامتداد الرمال ومحيطها، لكن في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، لاحظت سميرة شيئا غريبا وهو أن الرمال تختفي.
وقالت سميرة لوكالة "بلومبرج" للأنباء: "إنه شعور شخصي للغاية أن ترى ذلك يحدث للمكان الذي تحبه، لذلك فقد اشتكيت لكن لم يكن أحد مستعدا لأخذ شكواي على محمل الجد".
وما لم تكن سميرة تعرفه في ذلك الوقت ولكنه سرعان ما أدركته هو أن الشاطئ المقصود كان موقعًا لعملية تعدين رمال غير قانونية، ولم يقتصر الأمر على هذا الشاطئ فقط.
ومع تطور وعيها، بدأت سميرة تستكشف مدى تفشي سرقة الرمال من أجل تأجيج شهية الهند للنمو.
وتقول سميرة ملخصة ما تعلمته من سنوات نشاطها: "أعتقد أن (سرقة) الرمال ربما تكون أكبر جريمة فردية في البلاد.. أكبر عملية احتيال، بسبب حجمها ببساطة، لكن لم يكن لدينا أي دليل يدعم ذلك بسبب عدم توافر أي أرقام مطلقا".
ولم يقتصر الأمر على شواطئ الهند فحسب، بل تتعرض قيعان الأنهار والشواطئ في جميع أنحاء العالم لممارسات مماثلة، حيث يوثق نشطاء وتقارير إعلامية محلية ومنظمات غير حكومية لأمثلة عن سرقة الرمال وأنشطة التعدين غير القانونية في بلدان من كمبوديا إلى المغرب. وبحسب بعض التقارير، تنتشر جرائم القتل والترهيب والتواطؤ السياسي.
وفي 11 سبتمبر/ أيلول، أصدر براكاش جافاديكار، وزير البيئة الهندي، الذي يشغل أيضا منصب وزير الصناعات الثقيلة في البلاد، تحذيرا لما سماه "مافيا الرمال" في البلاد.
وفي المغرب، حيث يُعرف عن اللصوص أنهم يسرقون الرمال في جوف الليل، يتم استخراج أكثر من نصف الرمال التي تستهلكها صناعة البناء سنويا - حوالي 10 ملايين متر مكعب - بشكل غير قانوني، وفقا للأمم المتحدة.
وتكمن مشكلة بيئية أكبر وراء ظهور أنشطة تعدين الرمال غير القانونية، تشهد تفاقما وتشمل موردا تقول الأمم المتحدة إنه العنصر الأكثر استخراجا في العالم بعد المياه.
وكتب برنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقرير العام الماضي أنه بينما بإمكان التحول الحضري وتطوير البنية التحتية رفع مستويات المعيشة، فإن الضغط من أجل المزيد من أنشطة البناء يلقي بظلاله على موارد الرمال.
وكتبت جويس مسويا، القائمة بأعمال مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، في مقدمة التقرير: "نحن ننفق رصيدنا من الرمال بشكل أسرع مما يمكننا إنتاجه بطريقة مسؤولة.. ونجد أنفسنا الآن في وضع لا يمكن فيه تلبية احتياجات وتوقعات مجتمعاتنا دون تحسين إدارة موارد الرمال العالمية".
ومن واقع خبرة سميرة عبدوللي، فإن التعدين في الهند لا يتم حتما بشكل مسؤول، مشيرة إلى أنها رغم تجاهل شكواها واجهت عمال التعدين في نهاية المطاف، وبينما لم تحدث كثير من الأمور، بدا أن التعدين توقف، وإن كان لمدة قصيرة على الأقل.
وعندما بدأ النشاط مجددا، قال مسؤول الإيرادات نفسه لـ"عبدوللي" إنه يتعين عليها ضبط اللصوص متلبسين، رغم أن ذلك امتزج بتحذير بعدم التدخل في عمل هؤلاء الأشخاص لأنهم ربما يحولون حياتها إلى مأساة.
وعندما علمت سميرة بعودة لصوص الرمال، فكّرت في مواجهتهم مرة أخرى من أجل القبض عليهم متلبسين، وعن ذلك تقول: "لقد فعلت ذلك، رغم أن القرار كان مكلفا".
وكان في انتظار سميرة مزيد من المواجهات، بما في ذلك مطاردة على غرار أفلام بوليوود. وفي النهاية، بدأت سميرة في جمع بيانات عن التعدين غير القانوني للرمال من خلال تصوير التأثير، وشكلت الصور لاحقًا أساس أول دعوى قضائية للمصلحة العامة تتعلق بتعدين الرمال في الهند.
يشار إلى أن الرمال موجودة في كل مكان تقريبا، وتستخدم في كل شيء من الهواتف المحمولة إلى الألواح الشمسية، كما تستخدم في مستحضرات التجميل ومعجون الأسنان وأشباه الموصلات والمنظفات والبنية التحتية مثل المباني والطرق والجسور والزجاج.
وتمثل الرمال والحصى والحجارة، أكبر حجم من المواد المستخرجة على مستوى العالم، وفقًا للأمم المتحدة، والتي تقدر بنحو 40 مليارا إلى 50 مليار طن متري يتم إخراجها من المحاجر والأنهار والسواحل والبيئة البحرية كل عام.
وذكرت الأمم المتحدة في تقريرها أن الزيادة السكانية العالمية والتوسع الحضري السريع والبناء وتحول الاستهلاك كلها عوامل قد تضافرت لزيادة الطلب على الرمال 3 أضعاف خلال العقدين الماضيين. ومن المتوقع أن يستمر النمو.