الرمال تدخل بؤرة الصراع العالمي على الموارد الطبيعية.. لماذا؟
يبدو أن مادة خام جديدة دخلت إلى بؤرة الصراع العالمي على الموارد الطبيعية لكن في القرن الحادي والعشرين لن يكون هذا المورد نفطا أو ذهبا
يبدو أن مادة خام جديدة دخلت إلى بؤرة الصراع العالمي على الموارد الطبيعية، لكن في القرن الحادي والعشرين لن يكون هذا المورد نفطا أو ذهبا أو ماسا أو حتى ماء.. إنه الرمال.
بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، شهدت الأشهر الماضية 3 حوادث قتل منفصلة في أرجاء العالم لكن سببها كان واحدا؛ الصراع على الرمال التي أصبحت واحدة من أهم سلع القرن الحادي والعشرين رغم تراجع حظها من الاهتمام.
- 2 تريليون دولار قيمة الرمال البيضاء في ولاية شمال كردفان السودانية
- مصر تبدأ فصل المعادن الاقتصادية عن الرمال السوداء
في سبتمبر/ أيلول الماضي قُتل رجل أعمال في جنوب أفريقيا بإطلاق النار عليه، وقبله بشهر واحد، قُتل مزارعان هنديان في تبادل لإطلاق النار، وفي شهر يونيو/ حزيران قُتل ناشط بيئي مكسيكي.
وتعد الرمال قوام المدن الحديثة، إذ إن الخرسانة التي نستخدمها في بناء مراكز التسوق والمكاتب والعمارات، وكذلك الأسفلت الذي نستخدمه في تعبيد الطرق، هما عبارة عن رمال وحصى. ويصنّع الزجاج في كل نافذة وشاشة هاتف ذكي من رمال منصهرة. وحتى الشرائح الإلكترونية وكل قطعة في المعدات الإلكترونية في منزلك مصنوعة من الرمال.
وبالنظر إلى الصحاري الشاسعة التي تغطي كوكب الأرض، قد يظن البعض أن الرمال من أكثر الموارد وفرة على ظهر الكوكب.
لكن في الحقيقة يواجه العالم نقصا في الرمال، فكيف ينقص عنصر لا يخلو منه بلد واحد على وجه الأرض؟
يستهلك البشر كميات هائلة من الرمال والمياه تفوق ما يُستهلك من سائر الموارد الطبيعية الأخرى، إذ يستخدم البشر 50 مليار طن من الرمال والحصى سنويا.
وتكمن المشكلة في أن معظم الرمال تُستخدم في تصنيع الخرسانة. ولا تصلح حبات الرمال المستخرجة من الصحراء لهذا الغرض، لأن الرمال الناتجة عن تفتت الصخور بفعل الرياح تكون أكثر نعومة واستدارة من تلك الناتجة عن التفتت بفعل المياه، ولذا لا تصلح لتشكيل الخرسانة المتماسكة.
أما الرمال التي نحتاجها فتوجد في قاع الأنهار وعلى ضفافها وفي السهول الفيضية، وفي البحيرات والشواطئ. وقد اشتد الطلب على هذه الرمال إلى درجة أن بعض الشواطئ وقيعان الأنهار جُردت من الرمال، وأُتلفت مزارع وغابات للوصول إلى رمال ثمينة. وانخرطت في هذه التجارة عصابات إجرامية مهدت لظهور سوق سوداء للرمال.
ويقول باسكال بيدوزي، الباحث في برنامج الأمم المتحدة للبيئة: "لا يعقل أن نستخرج 50 مليار طن سنويا من أي مادة دون أن نسبب تداعيات جسيمة على الكوكب بأكمله".
وتعود جذور أزمة الرمال إلى الوتيرة المذهلة التي يمضي بها الزحف العمراني، لمواكبة الزيادة السكانية وأنماط الهجرة من القرى إلى المدن، لا سيما في الدول النامية. إذ تتوسع المدن في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بوتيرة لم يسبق لها مثيل.
وتضاعف عدد سكان المدن أكثر من أربعة أمثال منذ عام 1950، حتى وصل الآن إلى 4.2 مليار نسمة. وتتوقع الأمم المتحدة أن يضاف إليهم 2.5 مليار نسمة في العقود الثلاثة المقبلة.
ويتطلب تشييد المباني لاستيعاب هذا الكم من البشر، وتمهيد طرق لربط المباني ببعضها، كميات مهولة من الرمال. وقد تضاعفت كميات الرمال التي استخدمت في أعمال البناء في الهند 3 مرات منذ عام 2000.
واستخدمت الصين كميات من الرمال خلال هذا العقد تفوق ما استخدمته الولايات المتحدة من الرمال في القرن العشرين بأكمله. وزاد الطلب على أنواع معينة من الرمال التي تستخدم في أعمال البناء.
وبخلاف المباني، تستخدم الرمال أيضا في تمهيد الأراضي، إذ تشفط جرافات بحرية ملايين الأطنان من الرمال من قيعان البحار سنويا لتمهيد أراضٍ لم يكن لها وجود من قبل في المناطق الساحلية.
وتوسعت لاجوس، أكبر مدن نيجيريا، عمرانيا بإضافة 9.7 كيلومترات مربعة إلى سواحلها المطلة على الأطلسي. وتوسعت الصين عمرانيا بإضافة مئات الأميال إلى سواحلها وشيدت جزرا اصطناعية تحتضن منتجعات فاخرة.
وتوسعت سنغافورة عمرانيا بإضافة 130 كيلومترا مربعا إلى أراضيها على مدى 40 عاما، مستخدمةً رمالا مستوردة من الخارج. وبسبب هذا التوسع العمراني وقعت أضرار بالغة على البيئة، ما حدا بإندونيسيا وماليزيا وفيتنام وكمبوديا إلى فرض قيود على صادرات الرمال إلى سنغافورة.
وأشارت مجموعة بحثية هولندية إلى أن مجمل مساحة الأراضي الاصطناعية التي أضيفت إلى سواحل العالم بلغت 13 ألفا و563 كيلومترا مربعا، باستخدام كميات هائلة من الرمال.
وترافق اشتعال الطلب على رمال السيليكا عالية النقاوة، التي تستخدم في صناعة الزجاج والمنتجات المتطورة مثل لوحات الطاقة الشمسية وشرائح الكمبيوتر، مع تدمير الأراضي الزراعية والغابات في ولاية ويسكونسن بالولايات المتحدة التي تحوي أراضيها رمالا عالية النقاوة.
وانخرطت عصابات إجرامية في الصراع على الرمال، وأخذت آلاف الأطنان منه لبيعها في السوق السوداء. وذكرت جماعات حقوق الإنسان أن بعض العصابات في أجزاء من أمريكا اللاتينية وأفريقيا تستعبد الأطفال للعمل في مقالع الرمال. وكشأن جميع الجرائم المنظمة، يفلت هؤلاء من العقاب بدفع رشا لرجال الشرطة والمسؤولين الحكوميين الفاسدين، أو إذا لزم الأمر، بقتل من يقف في طريقهم.
وسقط كثير من الضحايا إثر احتدام الصراع على الرمال في كينيا وجامبيا وإندونيسيا. وفي الهند، سقط عشرات القتلى ومئات الجرحى في اشتباكات مع عناصر ما بات يعرف بـ"مافيا الرمال".
ويعكف الآن علماء على إيجاد طرق لتصنيع الخرسانة من مواد بديلة للرمال، مثل الرماد الذي تخلفه محطات الطاقة التي تعتمد على الفحم، أو أجزاء البلاستيك الصغيرة أو قش الأرز. ويطور آخرون خرسانة تحتوي على نسبة أقل من الرمال.
ويقول ميت بينديكسن، وهو عالم جغرافيا بجامعة كولورادو: "نحن في حاجة لبرنامج لمراقبة عمليات نقل الرمال، لأنها لا تخضع حاليا لأي جهة تنظيمية".
وفي الوقت الحالي، لا يعلم أحد تحديدا حجم الرمال التي تستخرج من الأراضي حول العالم، ولا المكان الذي تستخرج منه، ولا الشروط المنظمة لعمليات جرف الرمال. ويقول بينديكسن: "كل ما نعرفه هو أنه كلما زاد عدد السكان، زادت حاجتنا للرمال".