من سارس إلى كورونا الجديد.. رحلة خسائر المستثمرين
معظم بورصات الخليج أغلقت على انخفاض الخميس، مقتفية أثر تراجع الأسهم العالمية وأسعار النفط
قلب انتشار الفيروس الصيني الغامض المعروف بـ"كورونا الجديد" الأوجاع على المستثمرين حول العالم، خاصة بعد أن لاحت في الأذهان ذكرى فيروس سارس الذي دمر اقتصادات عدة حين انتشر في الماضي.
نظرة اليوم للفيروس الصيني الغامض جاءت لتقييم مدى الضرر الذي قد يلحق بالاقتصاد والأسواق هذه المرة.
وأغلقت معظم بورصات الخليج الرئيسية على انخفاض، اليوم الخميس، مقتفية أثر تراجع الأسهم العالمية وأسعار النفط، مع تكدر المعنويات بفعل انتشار فيروس تاجي جديد في الصين.
ومات أكثر من 17 شخصا، وأصيب المئات بالفيروس الجديد، الذي تقول السلطات الصينية إنه ينتشر بين الناس في المقام الأول من خلال الجهاز التنفسي، كما ظهرت حالات في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان وتايلاند.
ويخشى المستثمرون العالميون من تحول المرض إلى وباء يشل حركة النقل والتسوق واجتماعات الأعمال ويؤثر على النمو الاقتصادي، خاصة أن التوقيت حرج، إذ يتزامن انتشار المرض مع دخول الصين واحدة من أكثر فترات السفر ازدحامًا قبيل عطلة العام القمري الجديد.
ولعل ذلك يفسر لم كانت شركات التجزئة الفاخرة ووكالات السفر والفنادق من بين الأكثر تضررا هذا الأسبوع، وعلى العكس، استفادت أسهم صناع الأدوية ومنتجي أقنعة الوجه في الصين، بسبب توقعات زيادة الطلب على منتجاتها.
الذعر يطيح بالثقة في الأسواق
وانخفضت أسعار النفط أكثر من واحد بالمئة اليوم الخميس بفعل المخاوف من أن انتشار الفيروس من الصين قد يؤدي لهبوط الطلب على الوقود إذا أعاق النمو الاقتصادي.
كما تراجعت أسعار الذهب، مع ارتفاع الدولار وتقليل المستثمرين من أهمية أي أثر مباشر على الاقتصاد العالمي من انتشار سلالة جديدة من فيروس كورونا في الصين.
الحالات السابقة، مثل المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة "سارس" التي تفشت بين عامي 2002 و2003، وإنفلونزا "إتش 1 إن 1" عام 2009، و"إيبولا" عام 2014، تشير إلى أن الأسواق قد تتراجع على المدى القصير بفعل تزايد التقلبات، لكنها ترتد سريعًا نسبيًا، مع استفادة بعض الأسهم.
خسائر فادحة
أسفر انتشار فيروس "سارس" عن وفاة 774 حالة في جميع أنحاء العالم من نوفمبر/تشرين الثاني 2002 حتى يوليو/تموز 2003، وكانت معظم حالات الوفاة في الصين وهونغ كونغ، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، ومثل هذا السيناريو قد يكون له تداعيات اقتصادية خطيرة.
خلال ذلك الوقت، تباطأ نمو الاقتصاد الصيني، ودخلت هونغ كونج في حالة ركود، وعانت مؤشرات الأسهم في كلا السوقين من انخفاض حاد (بنسبة تفوق العشرة في المائة) قبل الارتداد في وقت لاحق مع احتواء المرض.
يقول كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "بليكلي أدفيسوري جروب" للاستشارات "بيتر بوكفار": كانت المنطقة بأكملها في حالة من الذعر الكبير، الذي أدى إلى تراجع الثقة، الأمر الذي أثر بدوره على الاقتصاد.
قيعان يعقبها قمم ومكاسب
يقول محللو مصرف "جولدمان ساكس" إن تداولات الأسواق بعد تفشي الوباء ترتبط بشكل كبير بعدد الحالات التي يتم الإبلاغ عنها يوميًا، حيث تتراجع بشدة تزامنًا مع تسارع وتيرة تسجيل الإصابات الجديدة، وتصل القاع بمجرد تباطؤ هذا المعدل.
عوضت الأسواق الثلاثة، الصيني والأمريكي وهونغ كونج، جميع خسائرها بحلول الوقت الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية القضاء على تفشي "سارس"، علمًا بأن الأسواق في أوائل 2003 كانت لا تزال تعاني من آثار انفجار فقاعة "دوت كوم" والأزمة المالية الآسيوية.
خلال العام الماضي، ارتفعت أسواق الولايات المتحدة والصين وهونغ كونج بشكل كبير، وبدأت العام الجديد مع المزيد من المكاسب، هذا يجعل الأسواق مستعدة لمثل هذه الأنواع من الصدمات، بحسب محللين.
الأسهم الخاسرة في الأسواق الثلاث هذا الأسبوع، تؤكد أهمية المستهلكين الصينيين للاقتصاد العالمي، خاصة أن السنة القمرية الجديدة تعد موسم السفر الأكثر ازدحامًا وأكبر مناسبة للهجرة البشرية سنويًا على مستوى العالم.
بالنسبة لحالات تفشي الأمراض الأخرى، بما في ذلك إنفلونزا الطيور والخنازير، والإيبولا، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وزيكا، فكان تأثيرها على الأسواق أقل من سارس، وبحسب "كابيتال إيكونوميكس"، نادرًا ما كانت هناك حالات وباء مؤثرة بشكل ملحوظ في الأسواق المالية العالمية.
ليست أسواق المال وحدها
الشفافية في التعامل مع مثل هذه الأحداث مهمة للغاية، وحال ما تطور الأمر إلى تعطيل الرحلات الجوية وانتشار مناطق الحجر الصحي بغزارة، فقد يهدد ذلك التجارة الآسيوية بشكل خطير، وبطبيعة الحال سيضع الاقتصاد العالمي في مشكلة.
على سبيل المثال، وباء سارس قتل مئات الأشخاص، وهو معدل منخفض كثيرا عن عشرات الآلاف الذين يموتون بسبب موسم الإنفلونزا العادية في أمريكا، ومع ذلك، سجلت الاقتصادات الآسيوية آنذاك خسائر بنحو 40 مليار دولار.
مقارنة بعام 2003، تمتلك آسيا اليوم سوق سياحة وحركة تنقل أكبر بكثير، إضافة إلى العديد من المطارات الحديثة، وبعبارة أخرى، فهي أكثر عرضة للخطر إذا تكرر هذا السيناريو، ناهيك عن أن العولمة الاقتصادية تواجه بالفعل مخاطرها الخاصة وليست بحاجة لوباء يزيد أعباءها.
يرى مراقبون أن الوباء قد لا يصبح خطيرا لدرجة كبيرة، لأن مستويات التغذية الجيدة والرعاية الصحية أفضل بكثير مما كانت عليها في العصور السابقة، وهو في الحقيقة تصور متفائل للغاية.
خلال الفترة بين عامي 1918 و1919، انتشر شكل قاتل للغاية من أشكال الإنفلونزا في الولايات المتحدة، وتسبب في مقتل مئات الآلاف من الأمريكيين، رغم أن معظم السكان كانوا في حالة صحية جيدة، وعلاوة على ذلك، هناك مدن كبرى اليوم، مثل لاجوس وكراتشي، تبدو مهيأة لتفشي العدوى أكثر من السابق.