من الصين لطاجيكستان.. "الحضن الآسيوي" يجمع السعودية وإيران مجددا
يبدو أن آسيا باتت مفتاح العلاقات السعودية الإيرانية.
فبعد الوساطة الناجحة التي قامت بها الصين بين الرياض وطهران، التي انتهت باستضافة بكين لتوقيع الاتفاق السعودي الإيراني، كانت طاجيكستان على موعد مع محطة جديدة في العلاقات بين البلدين.
فقد شارك السفير السعودي لدى طاجيكستان، وليد بن عبد الرحمن الرشيدان، الخميس، في احتفال أقامته السفارة الإيرانية في العاصمة دوشنبه، بمناسبة بدء العام الإيراني الجديد وعيد النوروز.
وهذا هو أول لقاء علني ورسمي يجمع بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين وجاء بعد نحو أسبوعين من الإعلان عن اتفاق الرياض وطهران على استئناف العلاقات بعد قطيعة دامت قرابة 7 سنوات، وهو ما يعد أول بوادر نجاح الاتفاق الذي تم برعاية صينية.
وبحسب وسائل إعلام رسمية إيرانية، فقد كان سفير طهران في دوشنبه محمد تقي صابري في استقبال نظيره السعودي وليد بن عبد الرحمن الرشيدان الذي شارك في احتفال سفارة إيران بمناسبة عيد النوروز.
وأشاد "صابري" في تغريدة عبر حسابه الرسمي على "تويتر"، بعلاقات بلاده مع السعودية، ووقف البلدين بأنهما دولتان مؤثرتان ومهمتان في العالم الإسلامي وفي منطقة غرب آسيا، معتبرا أن هذه العلاقات يمكن أن تكون أساسا لخلق اتجاه جديد ودور متزايد في خدمة مصالح دول المنطقة.
وبحسب الاتفاق الذي تم توقيعه في بكين في 10 مارس/آذار الماضي، فإنه من المقرر أن يلتقي وزيرا خارجية إيران والسعودية وأن يتم الإعلان عن فتح السفارات بين البلدين في غضون شهرين، بعد غلقهما في يناير/كانون الثاني 2016.
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أكد في تصريحات سابقة أنه سيلتقي نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان قريباً، فيما قال الأخير إنه يتطلع للقاء نظيره الإيراني.
ورحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أمس الخميس، بما ورد في بيان مجلس التعاون الخليجي بشأن دعم استئناف العلاقات بين إيران والسعودية.
وقال كنعاني في بيان له "نعرب عن أملنا في أن تلعب الاتفاقية الإيرانية السعودية دورًا فعالًا في زيادة الاستقرار والسلام الإقليمي والتنمية وتعزيز النهج القائم على الحوار في منطقة الخليج".
وأضاف كنعاني "نثمن استضافة الصين ومساعدتها والإجراءات الفعالة للعراق وسلطنة عمان في استئناف العلاقات السياسية بين إيران والسعودية".
واعتبر كنعاني أن دعم المملكة العربية السعودية ودول المنطقة لهذه الاتفاقية هو "دليل على تصميم الجيران على تعزيز المبادرات الدبلوماسية على المستوى الإقليمي".
جولات ماراثونية قبل الاتفاق
لم يكن التوصل للاتفاق السعودي الإيراني أمر سهل، إذ تطلب الأمر عقد عدة جولات من المفاوضات على مدى 3 سنوات، بوساطة من العراق وسلطنة عمان، لكن مشهد النهاية كان في عاصمة غير متوقعة؛ بكين.
فعندما تفاوضت إيران والسعودية بشكل مكثف على خلافاتهما عدة مرات، لم يأتِ اسم الصين ولو مرة واحدة كوسيط وكانت المفاوضات جارية بمساعدة العراق وسلطنة عمان.
وبالإضافة إلى وقف التصعيد بين طهران والرياض، في إطار وساطة الصين، تم أيضا اقتراح فكرة عقد اجتماع إقليمي بحضور ممثلين عن دول عربية أخرى، وهو ما من شأنه أن يصبح نقطة تحول مهمة في الشرق الأوسط، وقد تؤشر إلى فقدان واشنطن تأثيرها في المنطقة لصالح الصين.
هل خسرت واشنطن أمام بكين ؟
ويرى "هارون ديفيد ميلر" الدبلوماسي الأمريكي السابق وكبير محللي السياسة الخارجية في معهد كارنيجي، أن "الاتفاقية بين طهران والرياض تحتوي على 3 تداعيات على السياسة الخارجية للولايات المتحدة".
وأوضح أن الأمر الأول هو أن الاتفاق جاء نتيجة لقرار الحكومات الأمريكية المتعاقبة بتقليل أهمية الشرق الأوسط وإعطاء الأولوية لمصالح المحيط الهادئ، مما خلق فرصًا جديدة للصين وروسيا.
وقال إن "الأمر الثاني هو أن الولايات المتحدة تواجه الآن الصين التي تلعب بمهارة في الشرق الأوسط وتستفيد من أمن المنطقة، وتخلق علاقة بكين الوثيقة مع دول المنطقة، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة خسرت أمام الصين".
وأضاف أن الأمر الثالث هو "تأثير الاتفاق بين السعودية وإيران على تخفيف حدة التوتر في اليمن، والذي يعتبر مكافأة للسياسة الأمريكية، لكنه في الوقت نفسه سيضعف جهود واشنطن لعزل إيران في المنطقة".
أما موقع "الدبلوماسية الإيرانية"، فذكر في تقرير له إن "الصين وحدها هي التي يمكنها التوسط في هذا الاتفاق، لأن لها علاقات إيجابية مع إيران والسعودية، بينما تنظر كل من الرياض وطهران إلى بكين على أنها طرف محايد".
وقالت مجلة "American Thinker"، وهي مجلة يومية على الإنترنت تتعامل مع السياسة الأمريكية من وجهة نظر محافظة سياسياً، إن "الصين تمكنت من جلب اثنين من الخصوم التقليديين، إيران والسعودية، إلى طاولة المفاوضات، وهو ما يمثل هزيمة مذهلة لأمريكا".
وأضافت أنه "على الأقل أن هيبة أمريكا وتصوراتنا لقوتنا باتت موضع تساؤل إلى حد كبير، على الرغم من أن وسائل إعلامنا فعلت أفضل ما لديهم من الدعاية للسياسة الأمريكية وقوتها".
واعتبرت المجلة أن انتصار الصين في الشرق الأوسط وقيامها بتهميش أمريكا كلاعب رئيسي هو أحد مؤشرات الكارثة التي جلبتها رئاسة جو بايدن للولايات المتحدة.
صعود الصين
ولا شك أن الاتفاق السعودي الإيراني سيصبح أمرا له مغزى في سياق الصعود المتزايد للصين على مستوى السياسة الدولية ومنافسة بكين مع الغرب بشكل عام وأمريكا بشكل خاص، حتى أن البعض وصف الصين بأنها الفائز الرئيسي من الاتفاق بين الرياض وطهران.
وفي القرنين الماضيين، كان الشرق الأوسط دائمًا مجال نفوذ الغرب وروسيا، وفي العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، أصبحت أمريكا واحدة من القوى الرئيسية بين دول المنطقة.
وخلال الحرب السورية، تمكنت روسيا أيضًا من التعويض جزئيًا عن الموقف المفقود بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي.
لكن الصين لم تلعب أبدًا دورًا رئيسيًا كعنصر فاعل وحاسم، وفي الأساس رفضت بكين في إطار عقيدة "الصعود السلمي للصين"، التدخل في التطورات والأحداث الإقليمية، ولكن منذ وصول الريس شي جين بينغ إلى السلطة، أظهرت بكين بطرق مختلفة أنها مستعدة لتغيير موقفها على المستوى العالمي.
وخلال الوساطة بين اثنين من الفاعلين المهمين في الشرق الأوسط، لم تتحرك الصين نحو تحسين موقعها فحسب، بل اتخذت أيضًا خطوة مهمة في الفناء الخلفي لأمريكا، وظاهريًا يجب على واشنطن دعم هذه الاتفاقية واعتبارها تطوراً إيجابياً.
لكن هذا الاتفاق كشف بوضوح عن أحد القيود المهمة لواشنطن للتأثير على الجهات الفاعلة في المنطقة، فأمريكا على عكس الصين، ليس لها علاقة بإيران فحسب، ولكنها أيضًا لا تتمتع بنفس تأثير بكين، وظهرت تبعات عدم وجود هذه الميزة في التأثير على واحدة من أهم مناطق العالم مع الاتفاق السعودي الإيراني.
aXA6IDMuMTUuMzEuMjcg جزيرة ام اند امز