تحظى القمة العالمية للذكاء الصناعي برعاية الأمير محمد بن سلمان بأهمية كبرى، وهي تشكل واجهة حضارية للمملكة وصولاً إلى تحقيق "رؤية 2030".
شكل عصر التكنولوجيا الحديثة وثورة الاتصال انطلاقة جديدة للمجتمع الدولي بكافة تفاصيله الأساسية، لأن التغيرات الحديثة تعتمد على التحولات التي تطرأ على أدواتها، فالتكنولوجيا تصنع عالماً بأكمله، وهي قادرة على تسريع نمو مجتمع ما، أو تأخره، وتُوجه جميع العلوم نحو غاية واحدة وهدف واحد، لبلوغ ذلك الكمال الإنساني الأعظم الذي يوحد كل الأعمال والأفكار في اتجاه هذه الغاية، وقيادة البشر نحو تطوير المعارف والعلوم في سياق تصور للتاريخ يقوم على نموذج التقدم، وهذا ما دعا إليه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بالتعاون لبناء اقتصادات المعرفة لخدمة البشرية، وإلى تقليص الفجوة الرقمية بين العالمين المتقدم والنامي، ومن هذا المنطلق ستكون المملكة العربية السعودية نموذجاً للذكاء الصناعي في العالم بحكم مكانتها الرفيعة سياسياً واقتصادياً. وقد أعلنت للعالم تفاؤلها وسعيها إلى أن تبني لمجموعة العشرين بيئة حيوية للخروج بمبادرات ومخرجات تحقق آمال شعوب العالم.
ويقتضي بلوغ هذه الغاية إجابة الدعوة التي دعا لها ولي العهد بتكاتف الجميع والعمل بروح التعاون لرسم مستقبل الذكاء الصناعي بما يخدم المجتمعات كافة، فالإنسان يملك جوهراً قادراً وهوية تجعله يشترك فيها مع الجميع، فكلما كبرت الأهداف احتاجت إلى عوامل الربط، والذكاء الصناعي يهدف إلى ابتكار الأشياء الصناعية التي باتت تنخرط بشكل توافقي في حركة العالم اليوم.
وفي تحقيق ذلك، انطلقت من الرياض، العاصمة السعودية، قمة عالمية للذكاء الصناعي شعارها "لخير البشرية". ناقشت القمة أربعة محاور رئيسية تغطي اهتمامات قادة الذكاء الصناعي عالمياً، وهو ما يقود إلى رسم عصر جديد، والذكاء الصناعي والقيادة، وحوكمة الذكاء الصناعي، ومستقبل الذكاء الصناعي، وكيف سيستخدم في جميع القطاعات، وكيف يغدو كل شيء بالنسبة إليه، فإن الإنسان قد تمكن من تكييف الطبيعة، ومن ثم عمل على تكييف الأدوات.
ومع هذا الواقع الطبيعي الذي أجمع عليه كثيرون، فإن التقنية سابقة تاريخياً عن العلم، والنجاح هنا يُقاس بالمعرفة العملية لكل العلوم لمواكبتها حتى تقترب نتائجها من الاكتمال. وبما أن العالم أصبح يتجه للذكاء الصناعي والحقائق والأرقام وشؤون التكنولوجيا رهن إشارته أصبح أمراً موغلاً في التفاؤل، غير أنه تبين أن هذا التطور والتقدم التكنولوجي سيفقد 85 مليون وظيفة تقليدية بحلول 2025 وسيحل الذكاء مكانها، وبالمقابل ستتولد وظائف جديدة تعمل على تشغيل الروبوتات والآلات الحديثة، ويسير ذلك باتجاه العقود القليلة القادمة، لأن تكون آلات الذكاء الصناعي تدير الأعمال مناصفة مع العنصر البشري، الأمر الذي يدعو المتعلم إلى فهم مضامين تطور العصر وتحليل مكوناته واكتشاف مقاصده، والقدرة على إدراك انعكاسات تطور التقنية على مصير الإنسان الوظيفي، ويؤمن بذلك التحول كما هو حال الواقع الافتراضي اليوم الناتج عن تطورات التقنيات الحديثة التي جعلت العالم يزداد ترابطاً ويلتقي أفراده في أماكن معروفة لدى الجميع، بعد تمهيد الطرق لإيجاد أنماط من العلاقات على كافة مستويات التبادل.
إن الأمل الكبير في هذا التقدم أثمر الغاية العليا في القمة العالمية للذكاء الصناعي التي نظمتها "سدايا"، بتوقيع ثلاث اتفاقيات استراتيجية مع شركات"IBM"، و"علي بابا"، و"هواوي"، وأيضاً توقيع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الدولي للاتصالات، لننطلق إذن من الفعل، ونعتبر الذكاء يهدف إلى ابتكار الأشياء الصناعية، وهو ميل واعٍ يستهدف تحقيق غاية معروفة وانطلاقة أساسية تهدف إلى التعاون الاستراتيجي لتفعيل البرنامج الوطني لتنمية القدرات مع "هواوي"، وكذلك مع "علي بابا" لتمكين مدن المملكة من إدارة الخدمات العامة بذكاء، وتطوير حلول تجعلها أكثر مرونة واستجابة لاحتياجات سكانها.
وكذا الشأن بالنسبة للاتحاد الدولي للاتصالات، فهناك ترابط وثيق بين مكونات التقنية، وهو ما ينعكس على الحياة الاجتماعية، إذ إن كل شرائحه تصبح ملزمة بمعرفتها، حيث إن استخدام الذكاء الصناعي أصبح مهماً لمواجهة التحديات الأكثر تفاقماً في العالم، من تغير المناخ إلى جائحة "كورونا"، إذ يتطلع الاتحاد الدولي للاتصالات إلى العمل مع "سدايا"، لتطوير المشاريع والمبادرات التي يمكن أن تسّرع التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الذكاء الصناعي كقوة إيجابية للبشرية والكوكب، إذا سلمنا بهذا التلازم يكون المشروع الحقيقي للعلم والتكنولوجيا وافياً غير منقوص. في مقابل ذلك تحظى القمة العالمية للذكاء الصناعي برعاية الأمير محمد بن سلمان بأهمية كبرى، وهي تشكل واجهة حضارية للمملكة وصولاً إلى تحقيق "رؤية 2030"، فإنها ستساعد كثيراً على بلوغ الهدف المرسوم، لا سيما إذا علمنا أن إحدى مبادرات المملكة الرامية إلى تطوير إمكانات الذكاء الصناعي المحلية، ستوفر فرص تدريبٍ متقدمٍ لطلاب الجامعات السعودية والباحثين والمطورين، لتمكينهم من الإلمام بتقنيات وأدوات الذكاء الصناعي، نظراً لتسلحه بالمعطيات العلمية الحديثة. ويهدف هذا البرنامج المستدام إلى توفير كوادر مؤهلة لتلبية الطلب المتزايد في هذا المجال من قبل مؤسسات القطاعين العام والخاص، باعتباره مصدراً لتطوير التقنية وتمدينها، لذلك تسارع المملكة لدخول عصر الذكاء الصناعي لتكون من المستفيدين منه بتنافسها اقتصادياً، وتعظيم المنافع وفق "رؤية 2030"، وأن تكون لدينا شركات متخصصة، أي نكون منتجين للتقنية، وليس مستهلكين لها.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة