لا يكفي القولُ إن "عين الصقر" الإماراتي قد منح دولة الإمارات العربية المتحدة نافذةً علميةً وتكنولوجية إضافية متقدمة.
ووضَعَها بمصاف الدول الرائدة في هذا المجال وحسب، فالتقدم العلمي والحيازة العلمية لعلوم الفضاء والمستقبل ما هو إلا نتيجة لمجمل سياساتٍ وتخطيطٍ محكم ومدروس قائم على ركائز علمية، ومُستَوفٍ لشروط ومقتضيات ومتطلبات تلك الإنجازات على المستويات السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية ؛ بمعنى امتلاك ناصيتها وتوظيفها في مجالات التقدم والريادة .
تُقاسُ الإنجازاتُ العلمية على مستوى الدول بمقاييس ثلاثة : أولها درجة الوعي لدور العلم والمعرفة من جانب قيادة الدولة، ومدى إيمانها بأهميته في عملية التنمية الشاملة، ومستوى الاهتمام به واستثماره عبر تأهيل مواطنين لكي يصبحوا متخصصين بهذا الجانب، أما المقياس الثاني فيتمثل في التخطيط المحكم والعمل على حيازته وتوفير جميع متطلباته وتلبية شروطه البيئية والعلمية والاقتصادية والبشرية للوصول إلى الأهداف المنشودة من وراء ذلك، في حين يبدو المقياس الثالث هو الرافعة الحقيقية والحامل الأساسي، ويتلخص بتجيير جميع مكتسبات ما تقدم من مقاييس وترجمتها إلى واقعٍ ملموس من خلال تبنيه وخوض غماره بعد توفير جميع مستلزماته بمعاييرها العلمية والبشرية والاقتصادية .
القمر الاصطناعي "عين الصقر" الإماراتي وشاحٌ يُضاف إلى صدر دولة عربية تقودها عقولٌ تحاكي مستقبلاً مغايراً لما هو قائم، دون التفريط بما تراكم من بُنى وركائز على مستويات مختلفة ؛ من حاضرٍ زاخر بالتنوع والتعدد والعطاء استنادا إلى سياسات تنموية أساسها البشر، وماضٍ تليدٍ يرفد الحاضر والمستقبل بقيم العطاء والتميز التي تمكّنه من ولوج المستقبل بجدارة واقتدار وتصميم .
المزاوجةُ المتقنة التي أجادتها دولة الإمارات العربية المتحدة بين إمكانياتها وطاقاتها متعددة المنابع والمشارب، وبين طموحاتها واسعة الآفاق، مكّنتها من المضي قدما في جميع سياقات برامجها التنموية بخطوات راسخة وتراكمية في ظل إرادة مصممة على محاكاة الكبار ممن كانوا سباقين في المضمار التنموي الشامل وخاصة الفتوحات العلمية، والذي حققته على الصُّعد الاقتصادية والسياسية من ثباتٍ ومصداقية لم يكن بعيداً عن جوهر كل ذلك ؛ ألا وهو الإنسان الذي شكّل محورَ اهتمام القيادة الرشيدة لدولة الإمارات على مدار عقود من الزمن، فكان الاستثمارُ في جميع صنوفه ينبع من المواطن الإماراتي ويصب في حاضره ومستقبله ولأجله، حيث شكّل رأسمال العملية التنموية بكل تفرعاتها، فتحوّل إلى محورٍ حامل لمشاريع وطموحات بلاده استنادا إلى تناغمٍ خلاّق بينه وبين قادة البلاد، فتحققت معادلةٌ نهضوية شاملة لم تقتصر على جانب دون آخر من جوانب عملية التنمية، وحين يحلّق "عين صقر" الإمارات في عالم الفضاء فإنه يحمل هويتَه التي خطَّتها عقولُ وسواعدُ وقلوبُ الإنسان الإماراتي على اختلاف مواقعه ومسؤولياته .
كم من العبقريات ظهرت على مر السنين هنا وهناك، وكم من المبدعين تصدروا مواقع مختلفة في هذا الجانب أوذاك، وكانوا جميعهم نتاجَ حالات فردية، وبدوا كظواهر استثنائية كلٌّ في حقله العلمي أو الأدبي، وظل كل واحد منهم كيانا فرديا مشخّصا بذاته رغم رعاية دولته واحتفائها بنتاجه العلمي أو الأدبي، لكنَّ الخصوصيةَ في التجربة الإماراتية الرائدة، علمياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، هو دورُ قادة الدولة في مجمل هذه العملية حتى صارت تبدو وكأنها عمليةُ نهوض جماعي لمرافق الحياة كافة .
كثيرةٌ هي المنافع والعوائد العلمية وغير العلمية للقمر الاصطناعي الإماراتي عليها دولةً وشعباً وعلى أشقائها وأصدقائها، وكثيرة أيضا المسؤوليات العلمية المترتبة على هذا المشروع الفضائي تجاه العالم أجمع بعد أن تجشّمت تكاليفَ وعناء هذا التفوق العلمي، وأثبتت في تجارب سابقة في المضمار ذاته جدارتها وأهليتها لمثل هذه المسؤولية مما يفتح المجال أمامها لتكون ضمن دائرة الكبار في ملعب المستقبل .
"عين الصقر" الإماراتي رسالةُ سلامٍ بدلالاتها الإنسانية ومضامينها العلمية، وهو عنوانٌ ناصعٌ في سجل دولة عربية ما ادخرت جهداً في سبيل توسيع مروحة السلام في المنطقة والعالم، ووظفت كثيرا من إمكانياتها ونفوذها وتأثيرها في هذا السبيل، فكانت سبّاقة في تغليب الواقعية السياسية في مقارباتها لقضايا عديدة، وقدمت ما تقتضيه وتحتاجه تلك القضايا بمسؤولية، وبرهنت على إيمانها بقضايا أمتها بمرونة النهج وصلابة الموقف، وبإنجازها الجديد تكون قد وضعت لَبِنةً علمية أخرى في مدماك بنائها الشامخ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإنسانيا، وتسلّحت بمعايير العلوم والتكنولوجيا الفضائية، بعد أن عززت قوائم بنيانها الداخلي بجميع مستلزماته .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة