الدور السعودي في المنطقة.. دبلوماسية إدارة الأزمات

تعتمد المملكة على دبلوماسية نشطة داعمة بشكل أساسي لتحقيق الاستقرار في الدول التي تعاني خلال الفترة الأخيرة من مرحلة اضطرابات سياسية.
تسعى المملكة العربية السعودية إلى تعزيز دورها القيادي في منطقة الشرق الأوسط في مرحلة حرجة للغاية يشهدها الإقليم، تتعدد فيها الملفات الإقليمية المتأزمة جنباً إلى جنب مع تعاظم حدة التدخلات الإقليمية غير العربية.
وهو ما يمكن اعتباره دورا سعوديا محوريا قائما على الشراكة الاستراتيجية مع الحلفاء الإقليميين الساعين لتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة ومواجهة بعض دول الإقليم الأخرى التي تحاول بشكل حثيث تأجيج الصراعات في المنطقة لخدمة مصالحها الخاصة.
منطلقات الدور ومرتكزات التحرك
يأتي الدور القيادي السعودي في منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من ضرورات تحقيق الأمن والاستقرار فيها، وهو ما تجلّى بشكلٍ واضح في رؤية 2030، والذي تضمن في جزءٍ منه تعزيز مكانة المملكة إقليمياً وعالمياً، والدفع بمسيرة التعاون المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بإطلاق مجموعة من الشراكات الاستراتيجية، وتحقيق المصالح السعودية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتنبع أهمية الدور السعودي في المنطقة كحائط صد أمام مطامع بعض الدول التي لا تكف عن التدخل في شؤون الدول العربية، خاصةً من جانب إيران التي تسعى عبر وكلائها المحليين إلى تأزيم الأوضاع لاسيما في اليمن والعراق وكذلك سوريا، وغيرهم من دول المنطقة، وفي هذا الإطار قد ارتكزت الرؤية السعودية على ضرورة حلحلة الصراعات ومنع التدخلات الخارجية، واعتبار أن تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة هو الهدف الأسمى الذي يتوجب تحقيقه.
تخفيف حدة الصراعات
تنوعت الأدوات السعودية في التعامل مع الأزمة اليمنية وفقاً للمعطيات القائمة، حيث اتسم الدور السعودي فيها بالمرونة والشمولية، حيث قادت المملكة في عام 2015 التحالف العربي في اليمن جنباً إلى جنب مع بعض الدول العربية، وذلك من أجل مواجهة هجوم الحوثيين على العاصمة المؤقتة عدن.
وقد جاء هذا التدخل استجابة لطلب من رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، واستناداً إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يمنح للدولة الحق في الدفاع عن النفس ضد أي اعتداءات مسلحة عليها، وقد نجح التحالف في توجيه ضربات قوية لجماعة الحوثي المدعومة من إيران.
ومع تفاقم الأوضاع في جنوب اليمن، أعلنت السعودية في أغسطس/أب الماضي عن حوار جدة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، وهو ما لاقى ترحيبا من طرفي الأزمة، حيث أعلن عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ترحيبه بالدعوة السعودية؛ إيماناً بحرص الرياض على الشعب اليمني، وكذلك فقد رحب مجلس الأمن بدعوة المملكة إلى الحوار إلى جانب ترحيب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن "مارتن جريفيث" بالدور السعودي.
وتنطلق المملكة في تحركاتها في اليمن بالتنسيق مع شركائها الإقليميين، وعلى رأسهم دولة الإمارات؛ التي أكدت مراراً وتكراراً قوة الشراكة بين الدولتين في مواجهة بعض المحاولات الخبيثة للوقيعة بينهما.
وهو ما أكده وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية د. أنور قرقاش، في تصريحات له في أغسطس/أب الماضي، حيث أكد قوة العلاقات بين البلدين، وذكر أن التحالف السعودي الإماراتي "ضرورة استراتيجية" في ظل التحديات المحيطة، واليمن مثال واضح على ذلك، وتابع قرقاش أن "ارتباطنا بالرياض وجودي وأكثر شمولاً"، وهو ما يعكس مستوى الشراكة الراسخة بين الدولتين.
إعادة البناء والإعمار
تسعى المملكة إلى أداء دور حيوي وفعال في إعادة بناء الدول التي عانت على مدار السنوات الماضية، وهو ما تجلّى بشكل واضح في سعي المملكة نحو مساعدة العراق في تحقيق الاستقرار وكذلك التنمية، حيث احتفل البلدان في أواخر عام 2017 بانطلاق أعمال "مجلس التنسيق السعودي العراقي" من أجل تعزيز التقارب بين الرياض وبغداد بعد قطيعة دامت نحو 27 عاما.
وقد تجلّى الحرص السعودي على تعزيز دورها في بغداد عندما قامت بافتتاح مقر قنصليتها داخل المنطقة الخضراء وسط العراق في أبريل/نيسان 2019، مع الإعلان عن تقديم منحة مالية لبغداد تقدر بمليار ونصف المليار دولار من أجل المساهمة في تنميتها في إطار تدشين شراكة بين البلدين.
ويأتي المشروع السعودي للسلام والتنمية في العراق من أجل مواجهة المشروع الإيراني القائم على تغذية الصراعات المذهبية وتصعيد المليشيات المسلحة، حيث إن الوجود الإيراني في العراق هو أحد مسببات حالة عدم الاستقرار السياسي فيها، وقد جاء الدور السعودي نحو انفتاح كامل على العراق من أجل استعادة بغداد مرة أخرى إلى محيطها العربي.
والموقف السعودي في العراق لا يختلف عن مثيله في سوريا، حيث تتبنى المملكة مقاربة سياسية قائمة على أولوية تحقيق الاستقرار في سوريا، وقد أكدت الخارجية الأمريكية في سبتمبر/أيلول 2018 أن المملكة العربية السعودية قد وافقت على الاستثمار بأكثر مما توقعته واشنطن في عملية استعادة الاستقرار في سوريا، كما أن السعودية مساهم رئيسي في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، حتى إنها قد نفذت ثاني أكبر عدد من الطلعات الجوية ضد داعش في سوريا.
كما لم تتوان المملكة في تقديم المساعدات الإنسانية اللازمة للاجئين والنازحين لاسيما السوريين، حيث وقعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وحكومة السعودية ممثلة بالصندوق السعودي للتنمية على اتفاقية تعاون بقيمة 5 ملايين دولار، في أبريل/نيسان 2019، بهدف تحسين الظروف السكنية والصحية والتعليمية والمعيشية للنازحين داخلياً في سوريا، في ظل تقديرات بوجود نحو 6,6 مليون سوري تركوا منازلهم وممتلكاتهم ونزحوا إلى مناطق أخرى أكثر أمناً داخل حدود بلادهم، ويأتي ذلك في إطار الجهود الكبيرة التي تبذلها السعودية لدعم اللاجئين والنازحين السوريين والمجتمعات المستضيفة لهم منذ عام 2011؛ إذ بلغت القيمة الإجمالية للمشاريع السعودية المنفذة من خلال المفوضية في كلٍّ من الأردن ولبنان وسوريا نحو 43,7 مليون دولار.
دبلوماسية تعزيز الاستقرار
تعتمد المملكة على دبلوماسية نشطة داعمة بشكل أساسي لتحقيق الاستقرار في الدول التي تعاني خلال الفترة الأخيرة من مرحلة اضطرابات سياسية، وقد تجلّى ذلك بشكل كبير في أزمتي السودان وليبيا، حيث أعلنت المملكة في أغسطس/أب الماضي دعمها الكامل لاتفاق تقاسم السلطة الذي تم توقيعه في السودان، باعتباره اللبنة الأولى لبناء دولة متمكنة اقتصادياً وأمنياً، وقد تجلّى الدور السعودي في إعراب المبعوث الأفريقي إلى السودان "محمد الحسن ولد لبات" عن تقديره لدور السعودية في تسهيل التوصل إلى الاتفاق بين المجلس العسكري السوداني وقوى الحرية والتغيير، وقد شارك في مراسم الاحتفال، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، الذي أكد أن المملكة كانت ولا تزال مع كل ما يضمن للسودان أمنه واستقراره.
كذلك لم تتوان المملكة عن محاولة انتشال ليبيا من أزماتها المتفاقمة، قد استقبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في الرياض، قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر في مارس/آذار 2019، وقد أكد الملك حرص المملكة على أمن واستقرار ليبيا وبحث مستجدات الأوضاع على الساحة الليبية، كما أعلنت المملكة دعمها الكامل لجهود محاربة تنظيم داعش في ليبيا في إطار مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وهو الموقف السعودي الثابت تجاه دعم الدولة الليبية في المحافل الدولية المختلفة منذ اندلاع الأزمة الليبية في عام 2011.
وفي المجمل، فإن الدور السعودي في منطقة الشرق الأوسط هو دور قيادي ومحوري، في إطار دبلوماسية نشطة لا تتوانى عن خدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، ويمكن النظر إلى ذلك الدور باعتباره ضرورة مُلّحة من أجل مواجهة التدخلات الخارجية التي تعصف ببعض دول الإقليم، حيث تدرك القيادة السعودية أن أي تأزُّم في الأوضاع الداخلية أو أي تراجع في سيادة بعض الدول العربية، هو مرض في الجسد العربي بأكمله، يجب التعامل معه عبر أدوات متنوعة، تستلزم توظيف القوة جنباً إلى جنب مع استغلال الدبلوماسية، وبالتوافق مع الشركاء الإقليميين في المنطقة لمواجهة التحديات المختلفة واستثمار الفرص المتاحة بأفضل شكل ممكن.
aXA6IDMuODAuNC4xNDcg جزيرة ام اند امز