السعودية وفلسطين.. مواقف تاريخية تحاصر تجار القضية
دعم السعودية للقضية الفلسطينية عابر للتاريخ وأصداؤه تتردد في ثنايا الزمن لتلجم أفواه المتاجرين والمزايدين على موقف المملكة.
دعم السعودية للقضية الفلسطينية عابر للتاريخ، وأصداؤه تتردد في ثنايا الزمن لتلجم أفواه المتاجرين والمزايدين على موقف المملكة من قضيتها الأولى منذ عهد مؤسسها الملك عبد العزيز آل سعود.
موقف يندرج في إطار سياسة ثابتة تتبناها السعودية قيادة وشعبا، في مسار طويل ومتواصل، مشحون بالمبادرات والمساعدات وجميع أشكال التضامن التي يفرضها الانتماء الواحد والتاريخ المشترك.
بعيدا عن ضوضاء الاستعراض
الدفاع عن قضية الأمة لا يتطلب بروباجاندا إعلامية مثقلة بأهداف مريبة وبعيدة كل البعد عن التضامن الفعلي والبحث الجدي عن حلول جذرية ترفع عن الشعب الفلسطيني معاناة عقود من الاحتلال الإسرائيلي.
مبدأ لا يتجزأ بالنسبة للسعودية التي تهب في كل مرة نصرة لفلسطين والقدس، دون جلبة مفتعلة أو زوبعة مصطنعة، وهذا ما يصنع الفرق، ويجعل للموقف السعودي ثقلا يدرك جميع الفاعلين بالمنطقة وزنه وتأثيره على القضية.
وردا على المجزرة الإسرائيلية، الإثنين والثلاثاء الماضيين، بحق المتظاهرين السلميين على حدود غزة، انعقد في العاصمة المصرية القاهرة اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، بدعوة من السعودية.
وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، شدد خلال مؤتمر صحفي عقب الاجتماع، على أن "القضية الفلسطينية هي قضية المملكة الأولى"، والسعودية "لن تتوانى عن دعم الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم المشروعة".
تصريحات فندت بشكل آنٍ ما يروج له أعداء السعودية من أن الأخيرة، تلتزم صمتا "تطبيعيا"، وفق مزاعمهم.
كما أظهرت التصريحات السعودية حرصها على النأي بالقضية عن المزايدات السياسية والاستعراضات المجانية، وإنما تمر مباشرة إلى البحث عن السبل الكفيلة باتخاذ خطوات سياسية ودبلوماسية ملموسة.
وكما قال الجبير، فإن "تاريخ المملكة واضح جداً حيال دعم القضية الفلسطينية.. موقف المملكة في شأن القضية الفلسطينية ثابت لن يتغير".
وفي أبريل/نيسان 2018، جدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، التأكيد على أن القضية الفلسطينية ستظل قضية العرب الأولى، معربا عن الرفض العربي للقرار الأمريكي بشأن وضع مدينة القدس.
وأعلن العاهل السعودي تسمية القمة العربية في دورتها التاسعة والعشرين بقمة القدس، وتخصيص 150 مليون دولار لدعم القدس و50 مليون دولار لدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وقال الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمة استهل بها أعمال القمة العربية الـ29 التي عقدت في السعودية: "إننا نرفض القرار الأمريكي بشأن القدس ونؤكد أن عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة هي القدس الشرقية".
شواهد تاريخية
مساندة السعودية للقضية الفلسطينية على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بدأ منذ عهد الملك عبد العزيز آل سعود، مع مؤتمر لندن عام 1935 المعروف بمؤتمر المائدة المستديرة لمناقشة القضية الفلسطينية.
ولم تغب السعودية عن المؤتمرات والاجتماعات الخاصة بحل القضية الفلسطينية، بدءا من مؤتمر العاصمة الإسبانية مدريد، وصولا إلى خارطة الطريق ومبادرة السلام العربي، المقترحة من قبل ولي العهد السعودي آنذاك، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وتبنتها الدول العربية مشروعا عربيا موحدا في قمة بيروت المنعقدة في مارس/آذار 2002.
حضور متواتر أكد أن القضية لطالما كانت -ولا تزال- حاضرة بقوة في صدارة أولويات السعودية التي تطالب إسرائيل بالالتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والتي تنص على الانسحاب الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967م، كما تدعو المجتمع الدولي للتدخل العاجل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
كما أدانت السعودية أيضا بناء الاحتلال الإسرائيلي جدارا عازلا يضم أراض فلسطينية، وقدمت مذكرة احتجاج بهذا الشأن إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، في خطوة انتهت بقرار المحكمة بعدم شرعية جدار الفصل العنصري، وطالبت إسرائيل بإزالته.
مسار تضامني بلا مزايدات
مبادرات ومشاريع ومحادثات استثمرت فيها السعودية ثقلها الإقليمي والدولي للدفع بقوة نحو التوصل لحل للقضية الفلسطينية، راسمة بذلك مسارا تضامنيا خالٍ من المزايدات السياسية والاستعراضات الإعلامية.
دعم لا مشروط يعرف تفاصيله البعض، ويجهله البعض الآخر، فيما يغيبه آخرون ممن يتملكهم الذعر من النجاح الذي تحققه السعودية في أي مبادرة أو مشروع تخوضه لصالح الفلسطينيين.
في السطور التالية، تستعرض "العين الإخبارية" مبادرات سعودية خففت، بشكل أو بآخر، من معاناة الفلسطينيين، وأحبطت محاولات المتملقين من الساعين لإدخال القضية في المزادات السياسية، وتوظيفها من أجل أجندات خاصة:
مشروع الملك فهد للسلام
أو المشروع العربي للسلام، أعلنه الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود للسلام، خلال القمة العربية المنعقدة بمدينة فاس المغربية عام 1982.
المشروع حظي بموافقة الدول العربية، ليصبح أساسا للمشروع العربي للسلام، قبل أن تصبح المبادرة أساسا لمؤتمر السلام بمدريد في 1991.
وتضمن المشروع عددا من البنود، أهمها انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس، وإزالة المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي العربية بعد العام المذكور، إضافة تأكيد حق الفلسطينيين في العودة وتعويض من لا يرغب في العودة.
مبادرة السلام العربية
أعلنها الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في قمة بيروت عام 2002، وقد نالت تأييدا عربيا، وشكلت مشروعا موحدا لحل النزاع العربي الفلسطيني، وجاءت على قدر الأمل المنوط بها، فحملت في طياتها كل ما يمكن أن يحقق السلام.
المبادرة استمدت قوتها من وضوحها في مطالبها بأن تنسحب إسرائيل إلى حدود 1967، مقابل السلام مع كل الدول العربية، وهذا السلام بالطبع مبني على قرارات الشرعية الدولية المتمثل في قراري مجلس الأمن رقم 242 و338، كما يستند إلى مرجعية مدريد التي تقر مبدأ الأرض مقابل السلام.
اتفاق "حماس" و"فتح" في مكة
هو اتفاق بين حركتي المقاومة الإسلامية "حماس"، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني جرى بمدينة مكة في 8 فبراير/شباط 2007، ويشكل ثمرة الجهود السعودية في لم شمل الفرقاء الفلسطينيين.
نَص الاتفاق على التأكيد على حرمة الدم الفلسطيني واتخاذ كل الإجراءات والترتيبات التي تحول دون ذلك.
الدعم المالي للفلسطينيين
دعم مادي ومعنوي سخي قدمته الرياض للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني منذ بداية القضية.
تبرعات كانت المملكة تعلنها في القمم والاجتماعات الكبرى، وتفي بعهودها في حينه، فكانت على مدار السنين سندا للفلسطينيين، تدعمهم بالأموال اللازمة، وترفع صوتها عاليا منددة مستنكرة الانتهاكات الإسرائيلية.
مسار تضامني طويل والأهم أنه خال من المزايدات ومن حسابات الربح والخسارة التي حولت القضية لدى عديد من البلدان إلى ملف مساومة أو مزايدة.
ومع أنه من الصعب التطرق إلى جميع ما قامت به المملكة لدعم القضية، غير أنه يمكن الإشارة إلى أنها كانت صاحبة المبادرة، خلال مؤتمر القمة العربي بالقاهرة عام 2000، باقتراح إنشاء صندوقين باسم "الأقصى" و"انتفاضة القدس"، وتبرعت له بمبلـغ 200 مليون دولار.
كما اهتمت السعودية بملف اللاجئين الفلسطينيين، وقدمت لهم المساعدات الإنسانية بشكل مباشر أو عن طريق الوكالات والمنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الدولي، والبنك الإسلامي.