برقيات أمريكية تنشر لأول مرة.. كيف دافع الملك فيصل عن القدس وفلسطين؟
برقيات أمريكية حصلت عليها "العين الإخبارية" تكشف عن مواقف العاهل السعودي الراحل الملك فيصل الداعمة للقضية الفلسطينية والمناهضة للاحتلال
كان يوم السابع من نوفمبر/تشرين ثاني عام 1973 حينما التقى العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود (1964-1975) السفير الأمريكي السابق جيمس أكينز الذي جاء من أجل تقديم أوراق اعتماده لدى المملكة العربية السعودية.
وطلب السفير الأمريكي حينها من الملك فيصل إنهاء وقف النفط تلك الخطوة التي اتخذتها السعودية دعما لمصر في حربها ضد إسرائيل عام 1973، فما كان من الملك إلا وأن رد عليه بأن الإنتاج المستقبلي للنفط سيتم بحثه فقط "في الأجواء السياسية المناسبة بعد استرجاع الأراضي العربية وحل القضية الفلسطينية".
هذا ما يتضح من برقية صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها، ضمن برقيات أخرى تكشف عن مواقف السعودية وملكها الراحل في دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن القدس ومناهضة الاحتلال.
واستنادا إلى الوثيقة المنشورة ضمن ملفات موقع "ويكليكس"، قال الملك فيصل، الذي كان يبلغ حينها 63 عاما، للسفير الأمريكي: "أنا رجل كبير في العمر، قبل أن أموت أريد الصلاة في جامع عمر بالقدس"، في إشارة إلى تحرير المدينة من الاحتلال الإسرائيلي.
ولم يكن هذا بالموقف العابر، إذ في الشهر ذاته استمرت المملكة العربية السعودية في جهودها لتجنيد موقف دولي مساند لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي المحتلة.
وهذا ما يتضح من وثيقة أمريكية وصلت من السفارة الأمريكية في كوريا الجنوبية وحصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها.
واستنادا إلى الوثيقة المؤرخة بالعشرين من نوفمبر/تشرين ثاني عام 1973، فإن المملكة العربية السعودية طلبت من كوريا الجنوبية إصدار بيان يتضمن النقاط التالية:
-إدانة جنوب كوريا لاستخدام القوة من أجل الاستيلاء على الأراضي، وذلك في إشارة إلى إسرائيل.
-دعم انسحاب إسرائيل الفوري من كل الأراضي المحتلة.
-دعم الموقف بوجوب حماية جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
- إذا لم تلتزم إسرائيل بهذه المطالب فإن كوريا الجنوبية ستعيد النظر في علاقاتها معها.
وتلفت الوثيقة، المنشورة ضمن وثائق "ويكليكس"، إلى أن السعوديين أبلغوا كوريا الجنوبية بوجوب دعم الموقف العربي بهذا الشأن فورا.
عندما فاجأ الملك فيصل الحضور بإحضار ياسر عرفات
ويتضح من الوثائق المدى الذي كان يدعم فيه الملك فيصل الفلسطينيين على جميع المستويات السياسية.
فيقول السفير الأمريكي في المملكة العربية السعودية في برقية مؤرخة بـ19 يوليو/تموز عام 1973 وحصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها إن الملك فيصل فاجأ السلك الدبلوماسي بإحضار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وكتب السفير الأمريكي حينها في برقيته: "حادثة غير مرضية وقعت الليلة الماضية في عشاء الملك لحاكم البحرين، قبل العشاء تم جمع السلك الدبلوماسي وكبار المسؤولين السعوديين وشخصيات في قاعة استقبال كبيرة بجانب غرفة العشاء من المكان. وقام رئيس البروتوكول بصف السلك الدبلوماسي لتحيتهم من قبل الملك والشيخ عيسى (ملك البحرين السابق عيسى بن سلمان آل خليفة)، ومع دخول الملك والشيخ عيسى قاعة حفل الاستقبال لاحظنا شخصية عسكرية موجودة هي ياسر عرفات الذي وقف في صف الاستقبال مع الحاكم البحريني".
وفي اليوم نفسه اشتكى السفير الأمريكي من الحفاوة التي حظي بها عرفات خلال زيارة رسمية له إلى السعودية لمدة 5 أيام، بحسب ما جاء في البرقية الأمريكية.
وكتب السفير الأمريكي في برقية في التاسع عشر من يوليو/تموز عام 1973 وحصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها قائلا: "حظي رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات بالحفاوة والتغطية الإعلامية الواسعة خلال زيارته إلى السعودية، وقد يكون ذلك ناجم عن الارتباط العاطفي للملك مع القضية الفلسطينية".
ولفت السفير الأمريكي إلى الاستقبالات الرسمية التي جرت للزعيم الفلسطيني من قبل الملك وولي العهد السعودي.
وأضاف "يبدو أنه بمجرد وصوله قررت المملكة العربية السعودية إظهار الدعم القوي والتضامن مع عرفات شخصيا والقضية الفلسطينية، وهو اتجاه في السياسة السعودية بدأ يتضح أكثر فأكثر في الأشهر الأخيرة كما تم التعبير عنه في افتتاح مكاتب لحركة فتح في الرياض وطابوق ومن خلال الإعلان رسميا الشهر الماضي (عام 1973) عن مساهمة شعبية لصندوق الشهداء بقيمة 200 ألف دولار من الرياض وحدها".
وتلفت عدة برقيات إلى استخدام الملك فيصل سلاح النفط للضغط باتجاه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
واستنادا إلى وثيقة أخرى مؤرخة بالثامن من ديسمبر/كانون أول عام 1973، حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها فقد تمت الإشارة إلى استخدام الملك فيصل النفط من أجل الضغط لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
وجاء في نص الوثيقة "الربط ما بين النفط السعودي بالقوة العسكرية المصرية كان واحدا من العناصر الجديدة القوية في المرحلة الحالية من النزاع العربي الإسرائيلي، وبينما قد تكون هناك نوع من المرونة في استخدام النفط كسلاح، فإن العرب سيطلبون تقدم بما في ذلك انسحاب إسرائيلي كبير من الأراضي المحتلة قبل إنهاء الضغط في إمدادات النفط".
وأكملت الوثيقة: "الملك فيصل سوف ينسق إجراءاته عن كثب مع شركائه العرب، خاصة مصر، وإلى جانب دعم السادات (الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي كان يتولى الحكم آنذاك)، فإن الطبيعة الدينية للملك فيصل تدفعه للإصرار على نوع من السيطرة العربية على المدينة القديمة من القدس".