في اليوم الوطني الـ89.. السعودية والإمارات شراكة استراتيجية تتوسع
احتفاء الإمارات ومشاركتها الرسمية والشعبية في احتفالات اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية يعكس عمق العلاقات بين البلدين
يأتي اليوم الوطني السعودي الـ89 وسط تعاون وتكامل كبيرين وشراكة استراتيجية تتوسع مع الإمارات في كافة الأصعدة التي تنعكس على علاقات البلدين الضاربة في جذور التاريخ متانة وقوة.
وتحت شعار "همة حتى القمة".. تحتفل المملكة العربية السعودية باليوم الوطني الـ89، وهو اليوم التاريخي الذي أعلن فيه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود توحيد البلاد تحت راية واحدة، بعد كفاح استمر 32 عاما.
ويعكس احتفاء الإمارات ومشاركتها الرسمية والشعبية في احتفالات اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية عمق العلاقات بين البلدين التي تجاوزت مفهوم التعاون الثنائي بين دول الجوار، لتنتقل نحو الشراكة الاستراتيجية التي تنسجم مع ما يجمعهما من علاقة تاريخية تعززها روابط الدم والإرث والمصير المشترك.
وتمثل العلاقة السعودية الإماراتية صمام أمان ليس للبلدين فحسب، بل للمنظومة الإقليمية برمتها، كونهما يجسدان قيم الاستقرار والتنمية، كما يمثلان منطق العقلانية السياسية ومفهوم الدولة الحديثة، في احترام القيم والتشريعات الدولية.
أوراق القوة التي تتميز بها العلاقات الإماراتية السعودية أصبحت تشكل خريطة طريق ذات معالم فائقة الوضوح، وتعكس الجاهزية الكاملة في التكامل بين البلدين الشقيقين على كافة المستويات.
** صمام أمان الأمة
ويحظى البلدان بتقدير وثقة دولية كبيرين خاصة مع ما تتميز به سياستهما من توجهات حكيمة ومعتدلة ومواقف واضحة في مواجهة نزعات التطرف والتعصب والإرهاب، والتشجيع على تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات.
ويرجع الفضل في تأسيس العلاقات المتينة بين البلدين إلى المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، اللذين حرصا على توثيقها باستمرار وغرسها في ذاكرة الأجيال المتعاقبة حتى تستمر على ذات نهج التنسيق والتعاون والتشاور المستمر حول المستجد من القضايا والموضوعات ذات الصبغة الإقليمية والدولية، بما يكفل الانسجام التام والكامل لكل القرارات المتخذة من البلدين الشقيقين في القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
وشهدت العلاقات الثنائية بين الإمارات والسعودية، خلال العقد الأخير، خطوات استراتيجية مهمة جعلت منها نموذجا لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدول العربية، ومثالاً على الوعي المشترك بطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية المحيطة، وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف متسقة ومتكاملة.
وقد عبر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن هذه القناعة خلال الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الإمارات في 3 ديسمبر/كانون الأول 2016 حينما غرد عبر حسابه الشخصي على "تويتر" قائلا: "علاقات المملكة ودولة الإمارات تجاوزت العلاقات الدبلوماسية والتحمت لتكون علاقة العضد بعضيده.. نسأل الله أن يحمي هذا الجسد الواحد".
وتؤمن دولة الإمارات العربية المتحدة أن المملكة العربية السعودية تشكل صمام أمان الأمة وحاملة راية الدفاع عن مصالحها ضد جميع الأطماع والمشاريع التي تهدف إلى شق وحدة الصف العربي.
وهذا ما عبر عنه صراحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال نفس الزيارة التاريخية، حيث قال: "إن دولة الإمارات آمنت دائما بأن المملكة العربية السعودية هي عمود الخيمة الخليجية والعربية، وأن أمنها واستقرارها من أمن واستقرار الإمارات، وغيرها من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية الأخرى".
** الإمارات والسعودية.. درع الحق العربي
وأضاف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: "أن التاريخ العربي سوف يتذكر على الدوام المواقف التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقراراته الحاسمة والحازمة في مواجهة محاولات التدخل في المنطقة العربية، من قِبل أطراف خارجية لها أطماعها فيها".
وشهدت العلاقات الثنائية نقلة نوعية تمثلت في حرص القيادة في كلا البلدين الشقيقين على مأسسة هذه العلاقات من خلال تأسيس لجنة عليا مشتركة في مايو/أيار 2014 برئاسة وزيري الخارجية في البلدين، وقد عملت هذه اللجنة على تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لقيادتي البلدين للوصول إلى آفاق أرحب وأكثر أمنا واستقرارا لمواجهة التحديات في المنطقة، وذلك في إطار كيان قوي متماسك بما يعود بالخير على الشعبين الشقيقين، ويدعم مسيرة العمل الخليجي المشترك.
** مجلس تنسيقي مشترك
وفي الشهر نفسه من عام 2016، وقع البلدان على اتفاقية إنشاء مجلس تنسيقي بينهما يهدف إلى التشاور والتنسيق في الأمور والمواضيع ذات الاهتمام المشترك في المجالات كافة، حيث نصت الاتفاقية على أن يجتمع المجلس بشكل دوري، وذلك بالتناوب بين البلدين.
** استراتيجية العزم
وفي ترجمة سريعة لنتائج إنشاء المجلس التنسيقي جاء انعقاد "خلوة العزم" التي التأمت على مرحلتين؛ الأولى في 21 فبراير/شباط 2017 بأبوظبي بمشاركة أكثر من 150 مسؤولاً حكومياً وعدد من الخبراء في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة في البلدين، والتي بحثت سبل تفعيل بنود الاتفاقية الموقعة بينهما بإنشاء المجلس، ووضع خريطة طريق له على المدى الطويل ليكون النموذج الأمثل للتعاون والتكامل بين الدول، ولتعكس حرص البلدين على توطيد العلاقات الأخوية بينهما والرغبة في تكثيف التعاون الثنائي عبر التشاور والتنسيق المستمرين في المجالات ذات الأولوية.
وانعقدت المرحلة الثانية من "خلوة العزم" في 13 أبريل/نيسان 2017 بالرياض، وناقشت آليات تعزيز المنظومة الاقتصادية المتكاملة بين البلدين، وإيجاد حلول مبتكرة للاستغلال الأمثل للموارد الحالية، وذلك من خلال عدد من المواضيع، أهمها البنية التحتية والإسكان، والشراكات الخارجية، والإنتاج والصناعة، والزراعة والمياه، والخدمات والأسواق المالية، والقطاع اللوجستي والنفط والغاز والبتروكيماويات والشباب والتطوير الحكومي والخدمات الحكومية وريادة الأعمال والسياحة والطاقة المتجددة، والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة.
وفي يونيو/حزيران 2018 رفعت الإمارات والمملكة العربية السعودية مستوى العلاقات الثنائية بينهما إلى مراحل غير مسبوقة اشتملت على رؤية مشتركة للتكامل بين البلدين اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً عبر 44 مشروعاً استراتيجياً مشتركاً ضمن "استراتيجية العزم" التي عمل عليها 350 مسؤولا من البلدين من 139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية وخلال 12 شهرا.
** علاقة تاريخية يعززها مصير مشترك
وأسهمت العلاقات الثنائية بين البلدين في تعزيز أمن واستقرار المنطقة والعالم، خاصة أن تاريخهما يمتلئ بالمبادرات لتسوية الخلافات العربية أو لدعم الدول العربية، حيث تحملا العبء الأكبر في التصدي لحركة الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين الشقيقة في مارس/آذار عام 2011.
وقادا تحركا عاما لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بإرسال قوات "درع الجزيرة" إلى مملكة البحرين، انطلاقاً من الاتفاقيات الأمنية والدفاعية الموقعة بين دول المجلس، وهو الأمر الذي كان له عظيم الأثر في إعادة حفظ الأمن والاستقرار إلى مملكة البحرين.
ويحسب للبلدين أنهما كشفتا الأدوار التخريبية التي تقوم بها إيران في زعزعة أسس الأمن والاستقرار في المنطقة.
وجاء التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية والذراع الإماراتية القوية مدعوماً من دول المنطقة، ليسطر بداية تاريخ جديد للمنطقة يكتبه أبناؤها بأنفسهم، ويبدأ بعودة الشرعية إلى اليمن وهزيمة المخطط الخارجي الذي يهدف للسيطرة على اليمن، والذهاب به إلى أتون الخلافات الطائفية والمذهبية لخدمة أهداف خارجية لا يزال يراود أصحابها حلم السيطرة والهيمنة.
وانضم البلدان إلى الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتصدي للتطرف والإرهاب، حيث شاركا في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في عام 2014.
كما تقوم السعودية والإمارات بدور محوري ورئيسي في الحرب الدولية ضد التطرف والإرهاب، خاصة فيما يتعلق بالتصدي للجوانب الثقافية والفكرية، وهي جهود تحظى بتقدير المجتمع الدولي أجمع.
** علاقات اقتصادية متميزة
وتعد العلاقة التجارية والاقتصادية بين السعودية والإمارات الأكبر بين مثيلاتها في دول مجلس التعاون الخليجي.
وتعتبر الإمارات واحدة من أهم الشركاء التجاريين للسعودية على صعيد المنطقة العربية بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، بحجم تبادل تجاري وصل إلى 88,3 مليار درهم تقريبا عام 2017، حيث تتصدّر الإمارات قائمة الدول الخليجية المصدرة إلى السعودية، كما تجيء في مقدمة الدول الخليجية التي تستقبل الصادرات السعودية، وتأتي في مرتبة متقدمة في قائمة الدول العشر الأولى التي تستورد منها السعودية.
وتؤدي الاستثمارات المشتركة بين البلدين دوراً حيوياً في العلاقات الثنائية، إذ تتجاوز الاستثمارات السعودية في الإمارات 35 مليار درهم، وتعمل في الإمارات حالياً نحو 2366 شركة سعودية مسجلة لدى وزارة الاقتصاد و66 وكالة تجارية.
ويبلغ عدد المشاريع السعودية في الإمارات 206 مشاريع، بينما يصل عدد المشاريع الإماراتية المشتركة في السعودية إلى 114 مشروعاً صناعياً وخدمياً، برأس مال بلغ 15 مليار ريال، فيما تخطت الاستثمارات الإماراتية في المملكة 9 مليارات دولار.
** ترابط جغرافي واجتماعي
وتجسد العلاقات الثقافية بين البلدين مستوى الترابط الجغرافي والاجتماعي بين شعبيهما، وقد تعززت هذه العلاقات عبر قنوات متعددة؛ أبرزها قطاع التعليم الذي شهد في البدايات سفر طلاب الإمارات إلى السعودية للالتحاق بمدارس مكة المكرمة والإحساء والرياض، في حين تستقبل الجامعات والمعاهد الإماراتية اليوم عددا كبيرا من الطلاب السعوديين.
وتمثلت العلاقات الثقافية بين البلدين في مستويات عدة، سواء من خلال إقامة العديد من الاتفاقيات والبرامج المشتركة، أو على مستوى التداخل الثقافي بين المؤسسات الجامعة التي تعمل في هذا السبيل والمبدعين والمثقفين في البلدين، وذلك ضمن رؤية ترتكز إلى أن العلاقة بين البلدين الشقيقين، تعززها علاقة شعبين لهما امتداد وتاريخ وموروث ثقافي واجتماعي وجغرافي واقتصادي لا يمكن التشكيك فيه.
aXA6IDMuMTQ1LjEwOS4xNDQg جزيرة ام اند امز