معا للأبد.. الإمارات تشارك السعودية أفراحها باليوم الوطني الـ88
احتفاء الإمارات ومشاركتها الرسمية والشعبية في احتفالات اليوم الوطني السعودي يعكسان عمق العلاقات بين البلدين وروابط المصير المشترك
تحتفل دولة الإمارات باليوم الوطني السعودي الـ88 الذي يصادف الأحد، 23 سبتمبر/أيلول من كل عام، عبر مجموعة من الأنشطة والفعاليات وسط اهتمام ومشاركة رسمية وشعبية.
هزاع بن زايد: اليوم الوطني السعودي مناسبة عزيزة على كل عربي وخليجي
ويأتي احتفال المملكة العربية السعودية هذا العام مكللاً بالعديد من التطورات والمواقف التي تمسكت من خلالها المملكة بدورها الرائد في خدمة القضايا العربية والإسلامية.
ودشنت السعودية مرحلة بناء جديدة أقرت بموجبها إصلاحات هيكلية غير مسبوقة انعكست على جميع الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما عبرت عنه توقعات صندوق النقد الدولي لنمو الاقتصاد السعودي التي وصلت إلى 2%، فيما يتوقع أن يحقق الميزان التجاري قفزة كبيرة ليترفع بنسبة 160%.
وتمضي المملكة في تنفيذ التزامات رؤية 2030 الرامية إلى تقليص الاعتماد على النفط بنسبة 50%، من خلال تخصيص اعتمادات مشاريع البنية التحتية كمشاريع الكهرباء والطاقة الطرق والمياه والمواصلات وقطاع التشييد إضافة إلى القطاع السياحي.
ويعكس احتفاء الإمارات ومشاركتها الرسمية والشعبية في احتفالات اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية عمق العلاقات بين البلدين التي تجاوزت مفهوم التعاون الثنائي بين دول الجوار، لتنتقل نحو الشراكة الاستراتيجية التي تنسجم مع ما يجمعهما من علاقة تاريخية تعززها روابط الدم والإرث والمصير المشترك.
وشكلت العلاقة بين البلدين صمام الأمان ومرجعية رئيسية للتعامل مع جميع التحديات والمخاطر التي تهدد الأمن الجماعي العربي والخليجي وتقف عائقا في سبيل تحقيق التطلعات في الأمن والتنمية والاستقرار، وقد ظهر ذلك جليا في مواجهة التحديات في قضايا اليمن وإيران وغيرها من الصعوبات التي تواجه المنطقة.
ويحظى البلدان بتقدير وثقة دولية كبيرين خاصة مع ما تتميز به سياستهما من توجهات حكيمة ومعتدلة ومواقف واضحة في مواجهة نزعات التطرف والتعصب والإرهاب والتشجيع على تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات.
ويرجع الفضل في تأسيس العلاقات المتينة بين البلدين إلى المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، اللذين حرصا على توثيقها باستمرار وغرسها بذاكرة الأجيال المتعاقبة حتى تستمر على ذات نهج التنسيق والتعاون والتشاور المستمر حول المستجد من القضايا والموضوعات ذات الصبغة الإقليمية والدولية، بما يكفل الانسجام التام والكامل لكل القرارات المتخذة من البلدين الشقيقين في القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
وقطعت العلاقات الثنائية بين الإمارات والسعودية، خلال العقد الأخير، خطوات استراتيجية مهمة جعلت منها نموذجا لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدول العربية، ومثالاً على الوعي المشترك بطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية المحيطة، وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف متسقة ومتكاملة، وقد عبر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن هذه القناعة خلال الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الإمارات في 3 ديسمبر/كانون الأول 2016 حينما غرد عبر حسابه الشخصي على تويتر قائلا: "علاقات المملكة ودولة الإمارات تجاوزت العلاقات الدبلوماسية والتحمت لتكون علاقة العضد بعضيده.. نسأل الله أن يحمي هذا الجسد الواحد".
صمام أمان الأمة
وتؤمن دولة الإمارات العربية المتحدة أن المملكة العربية السعودية تشكل صمام أمان الأمة وحاملة راية الدفاع عن مصالحها ضد جميع الأطماع والمشاريع التي تهدف إلى شق وحدة الصف العربي، وهذا ما عبر عنه صراحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال نفس الزيارة التاريخية حيث قال: "إن دولة الإمارات آمنت دائما بأن المملكة العربية السعودية هي عمود الخيمة الخليجية والعربية، وأن أمنها واستقرارها من أمن واستقرار الإمارات، وغيرها من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية الأخرى".
وأضاف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: "أن التاريخ العربي سوف يتذكر على الدوام المواقف التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقراراته الحاسمة والحازمة في مواجهة محاولات التدخل في المنطقة العربية، من قِبل أطراف خارجية لها أطماعها فيها".
وشهدت العلاقات الثنائية نقلة نوعية تمثلت في حرص القيادة في كلا البلدين الشقيقين على مأسسة هذه العلاقات من خلال تأسيس لجنة عليا مشتركة في مايو/أيار 2014 برئاسة وزيري الخارجية في البلدين.. وقد عملت هذه اللجنة على تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لقيادتي البلدين للوصول إلى آفاق أرحب وأكثر أمنا واستقرارا لمواجهة التحديات في المنطقة، وذلك في إطار كيان قوي متماسك بما يعود بالخير على الشعبين الشقيقين ويدعم مسيرة العمل الخليجي المشترك.
مجلس تنسيقي مشترك
وفي الشهر نفسه من عام 2016 وقع البلدان على اتفاقية إنشاء مجلس تنسيقي بينهما يهدف إلى التشاور والتنسيق في الأمور والمواضيع ذات الاهتمام المشترك في المجالات كافة، حيث نصت الاتفاقية على أن يجتمع المجلس بشكل دوري، وذلك بالتناوب بين البلدين.
وفي ترجمة سريعة لنتائج إنشاء المجلس التنسيقي جاء انعقاد "خلوة العزم" التي التأمت على مرحلتين؛ الأولى في 21 فبراير 2017 بأبوظبي بمشاركة أكثر من 150 مسؤولاً حكومياً وعدد من الخبراء في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة في البلدين والتي بحثت سبل تفعيل بنود الاتفاقية الموقعة بينهما بإنشاء المجلس، ووضع خريطة طريق له على المدى الطويل ليكون النموذج الأمثل للتعاون والتكامل بين الدول، ولتعكس حرص البلدين على توطيد العلاقات الأخوية بينهما والرغبة في تكثيف التعاون الثنائي عبر التشاور والتنسيق المستمر في المجالات ذات الأولوية.
وانعقدت المرحلة الثانية من "خلوة العزم" في 13 أبريل/نيسان 2017 بالرياض وناقشت آليات تعزيز المنظومة الاقتصادية المتكاملة بين البلدين وإيجاد حلول مبتكرة للاستغلال الأمثل للموارد الحالية، وذلك من خلال عدد من المواضيع؛ أهمها البنية التحتية والإسكان، والشراكات الخارجية، والإنتاج والصناعة، والزراعة والمياه، والخدمات والأسواق المالية، والقطاع اللوجستي والنفط والغاز والبتروكيماويات والشباب والتطوير الحكومي والخدمات الحكومية وريادة الأعمال والسياحة والطاقة المتجددة، والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة.
وفي يونيو 2018 رفعت الإمارات والمملكة العربية السعودية مستوى العلاقات الثنائية بينهما إلى مراحل غير مسبوقة اشتملت على رؤية مشتركة للتكامل بين البلدين اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً عبر 44 مشروعاً استراتيجياً مشتركاً ضمن "استراتيجية العزم" التي عمل عليها 350 مسؤولا من البلدين من 139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية وخلال 12 شهرا.
وأسهمت العلاقات الثنائية بين البلدين في تعزيز أمن واستقرار المنطقة والعالم، خاصة أن تاريخهما يمتلئ بالمبادرات لتسوية الخلافات العربية أو لدعم الدول العربية، حيث تحملا العبء الأكبر في التصدي لحركة الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين الشقيقة في مارس عام 2011، وقادا تحركا عاما لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بإرسال قوات "درع الجزيرة" إلى مملكة البحرين، انطلاقاً من الاتفاقيات الأمنية والدفاعية الموقعة بين دول المجلس وهو الأمر الذي كان له عظيم الأثر في إعادة حفظ الأمن والاستقرار إلى مملكة البحرين.
ولعب البلدان دورا محوريا في الحفاظ على التماسك داخل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وفي هذا السياق جاء القرار الذي اتخذته كل من الإمارات والسعودية ومعهما مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية في الخامس من شهر يونيو/حزيران 2017، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر بعد استنفاد كل المحاولات الدبلوماسية لإعادة قطر إلى الإجماع الخليجي والعربي وبعد أن فاض الكيل جراء سياساتها ومواقفها الأخيرة التي تنطوي على تهديد واضح للأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.
ويحسب للإمارات والسعودية أنهما كشفتا الأدوار التخريبية التي تقوم بها إيران في زعزعة أسس الأمن والاستقرار في المنطقة ولعل مخرجات القمتين الخليجية - الأمريكية، والقمة الإسلامية - الأمريكية بالرياض في شهر مايو 2017 تؤكدان ذلك بوضوح.
وجاء التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية والذراع الإماراتية القوية مدعوماً من دول المنطقة ليسطر بداية تاريخ جديد للمنطقة يكتبه أبناؤها بأنفسهم ويبدأ بعودة الشرعية إلى اليمن وهزيمة المخطط الخارجي الذي يهدف للسيطرة على اليمن والذهاب به إلى أتون الخلافات الطائفية والمذهبية لخدمة أهداف خارجية لا يزال يراود أصحابها حلم السيطرة والهيمنة.
وانضم البلدان إلى الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتصدي للتطرف والإرهاب، حيث شاركا في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في عام 2014، كما تقوم الإمارات والسعودية بدور محوري ورئيسي في الحرب الدولية ضد التطرف والإرهاب، خاصة فيما يتعلق بالتصدي للجوانب الثقافية والفكرية، وهي جهود تحظى بتقدير المجتمع الدولي أجمع.
علاقات اقتصادية متميزة
وتعد العلاقة التجارية والاقتصادية بين السعودية والإمارات الأكبر بين مثيلاتها في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعد الإمارات واحدة من أهم الشركاء التجاريين للسعودية على صعيد المنطقة العربية بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، بحجم تبادل تجاري وصل إلى 88,3 مليار درهم تقريبا في عام 2017، حيث تتصدّر الإمارات قائمة الدول الخليجية المصدرة إلى السعودية كما تجيء في مقدمة الدول الخليجية التي تستقبل الصادرات السعودية، وتأتي في مرتبة متقدمة في قائمة الدول العشر الأولى التي تستورد منها السعودية.
وتؤدي الاستثمارات المشتركة بين الإمارات والسعودية دوراً حيوياً في العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ تتجاوز الاستثمارات السعودية في الإمارات 35 مليار درهم، وتعمل في الإمارات حالياً نحو 2366 شركة سعودية مسجلة لدى وزارة الاقتصاد و66 وكالة تجارية، ويبلغ عدد المشاريع السعودية في الإمارات 206 مشاريع، بينما يصل عدد المشاريع الإماراتية المشتركة في السعودية إلى 114 مشروعاً صناعياً وخدمياً، برأس مال بلغ 15 مليار ريال، فيما تخطت الاستثمارات الإماراتية في المملكة 9 مليارات دولار.
ويعد إطلاق "مدينة الملك عبدالله" الاقتصادية بتكلفة تتجاوز 100 مليار ريال، نقلة مهمة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تم تشكيل تجمع إماراتي سعودي بقيادة شركة "إعمار" الإماراتية، وبالتحالف مع شركات سعودية لتنفيذ المشروع على ساحل البحر الأحمر.
ويرى المحللون الاقتصاديون أن تكامل الاقتصادين السعودي والإماراتي يؤدي لإيجاد كيان اقتصادي بناتج محلي إجمالي بنحو 1.1 تريليون دولار، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي السعودي 2.57 تريليون ريال "685 مليار دولار"، بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للإمارات 1.49 تريليون درهم "407.2 مليار دولار" في عام 2017.
وتلعب السياحة بين البلدين دورا مهما وحيويا في تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية بينهما وتعد من بين أهم القطاعات الواعدة التي توفر فرص الاستثمار وجذب المزيد من المشاريع المشتركة، لتنويع القاعدة الاقتصادية والتجارية في البلدين خاصة بعد أن خصصت دولة الإمارات مبالغ مالية ضخمة للسنوات العشر المقبلة، لتطوير هذا القطاع، وذلك بعد النجاحات المطردة التي حققتها في جذب شركات السياحة العالمية لما تتمتع به من مقومات أساسية تكفل نجاح الصناعة السياحية فيها، وفي مقدمتها الأمن والاستقرار والموقع الجغرافي الذي يربط بين مختلف قارات العالم والبنية الأساسية الحديثة والمتطورة من مطارات وموانئ وشبكة طرق ووسائل اتصالات وغيرها من الخدمات الراقية التي يوفرها أكثر من 450 فندقا في الإمارات.
وتجسد العلاقات الثقافية بين البلدين مستوى الترابط الجغرافي والاجتماعي بين شعبيهما، وقد تعززت هذه العلاقات عبر قنوات متعددة؛ أبرزها قطاع التعليم الذي شهد في البدايات سفر طلاب الإمارات إلى السعودية للالتحاق بمدارس مكة المكرمة والإحساء والرياض، في حين تستقبل الجامعات والمعاهد الإماراتية اليوم عددا كبيرا من الطلاب السعوديين.
وتمثلت العلاقات الثقافية بين البلدين في مستويات عدة، سواء من خلال إقامة العديد من الاتفاقيات والبرامج المشتركة، أو على مستوى التداخل الثقافي بين المؤسسات الجامعة التي تعمل في هذا السبيل والمبدعين والمثقفين في البلدين، وذلك ضمن رؤية ترتكز إلى أن العلاقة بين البلدين الشقيقين، تعززها علاقة شعبين لهما امتداد وتاريخ وموروث ثقافي واجتماعي وجغرافي واقتصادي لا يمكن التشكيك فيه.