منطلقات دولة الإمارات العربية المتحدة كانت ولا تزالت وستبقى ثابتة حيال المنظور الاستراتيجي تجاه المملكة العربية السعودية ودورها الحيوي.
«إن دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية كانتا دائماً أكثر من شقيقتين لما يربط بين شعبيهما من علاقات أزلية طيبة زادت رسوخاً على مر السنين، ونحن نعتبر الشقيقة السعودية هي رائدة هذه المنطقة والعالم العربي، وإننا معها في كل ما تراه مناسباً، وإن ما يمس مصالح السعودية يمس مصالحنا، ولذا فإن نظرتنا إلى المملكة العربية السعودية هي نظرة الأخ إلى أخيه الأكبر، والعلاقات الأخوية المتينة التي تربط دولة الإمارات العربية المتحدة بالمملكة العربية السعودية ترتكز على التراث المشترك والدين الواحد والمصير الواحد». قائل هذه العبارة، هو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي عُرف بحكمته واستقرائه المستقبل، يدرك أهمية الدور السعودي في إرساء قواعد الأمن والاستقرار في المنطقة، بل ذهب ليؤصل لتلك العلاقة، والتي وجد فيها مرتكزات التراث المشترك والدين والمصير الواحد.
المشاهد والمراقب للعلاقات السعودية-الإماراتية وتطورها يلاحظ أن تلك العلاقات قد قفزت لتعانق رؤى مستقبلية مشتركة تحقق بدورها علاقات رصينة متينة تُعزز أواصرها العلاقات الطيبة بين الشعبين والقيادتين
إن القراءة الاستراتيجية للمنطقة وما يحفوها من تهديدات على مختلف الصعد لا شك أنها تتوقف طويلاً لدراسة الدور المهم المنوط بالمملكة العربية السعودية تجاه مواجهة تلك المخاطر، وبالتالي يصبح من الطبيعي أن يكون استقرار المملكة وازدهارها عامل تأثير لا ينحصر في حدود المملكة فحسب، بل يتعداها ليعانق البُعدين الإقليمي والدولي.
منطلقات دولة الإمارات العربية المتحدة كانت ولا تزال وستبقى ثابتة حيال المنظور الاستراتيجي تجاه المملكة العربية السعودية ودورها الحيوي. فهذا المنظور ليس رهيناً بمواقف آنية أو ظروف طارئة، وحين يكون كما قال، طيب الله ثراه، المصير واحد، يكون المنظور الاستراتيجي لدولة الإمارات تجاه المملكة مرافقاً لذلك المصير، وما يترتب عليه.
دعونا هنا نسير نحو قراءة متمعنة للمملكة العربية السعودية، مجموعة من المقومات تحتاجها أية دولة لكي تُعرّف على أنها دولة إقليمية، من هذه المقومات المساحة الجغرافية والموقع الجغرافي، والتعداد السكاني، وكذلك القوة الاقتصادية التي تدفع بهذه الدولة الإقليمية ليكون تأثيرها داخل منطقة جغرافية وليس في حدودها فحسب. وعند إسقاط ما تقدم على المملكة العربية السعودية، فإنها وبلاشك تُعد دولة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، حيث مساحتها الجغرافية البالغة قرابة مليونين ومائة وخمسين كيلومتراً مربعاً لتصبح خامس أكبر دولة آسيوية في المساحة، ناهيك عن موقعها الجغرافي المهم. كذلك التعداد السكاني البالغ 32 مليون ونصف المليون نسمة. أما على الجانب الاقتصادي، فتتربع المملكة على عرش الدول المصدرة للنفط، بواقع إنتاج يصل إلى 11 مليون برميل وتصدير يصل إلى 8 ملايين برميل يومياً، وكيف لذلك من تأثير مباشر على اقتصاديات العالم.
لا يتوقف الأمر عند ذلك فحسب، بل يأتي العامل السياسي ممثلاً في السياسة الإقليمية والدولية للمملكة ليعطي بدوره عاملاً مهماً في الحسابات الاستراتيجية للمنطقة.
وتلعب المكانة الدينية للمملكة بحكم تشرفها باحتضان الحرمين الشريفين، وبذلك تنال منزلة دينية بين الدول والشعوب الإسلامية. ويمكن النظر إلى المكانة والأهمية التي تحظى بها المملكة العربية السعودية في عدد من المستويات المختلفة، لعل أولها يتجلى بوضوح في قول المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، «إن قوة السعودية هي قوة لدول الخليج العربي». والمصير المشترك دفع لظهور منظومة مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التحديات في ذلك الوقت، ومنها تهديدات ما يطلق عليه بالثورة الإسلامية في إيران، ومحاولة تصدير الثورة. وفي السياق الخليجي، يتجلى دور المملكة في استقرار منطقة الخليج في موقفها الحازم، وبقية دول الخليج من الغزو العراقي للكويت، وعلى الرغم من الهجوم والانتقادات الواسعة للمملكة في ذلك الوقت، إلا أن القيادة السعودية بقيادة الملك فهد، طيب الله ثراه، كانت محقة في ذلك الوقت، ولا ننسى ما قاله الملك فهد في ذلك الوقت، والذي يشير إلى رابط المصير المشترك بقوله، «يا تبقى الكويت والسعودية يا ننتهي سوى». هذه العبارة تأخذنا مع القارئ الكريم لاستذكار ما قاله الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بعد اكتشاف المؤامرة لاستهداف المؤسسات والمنشآت الحيوية لمملكة البحرين في بداية الثمانينيات «من يتغدى بعمان يتعشى بالإمارات، ومن يتغدى بالسعودية يتعشى بالباقي».
بالانتقال إلى المستوى العربي، تأتي السعودية جنباً إلى جنب مع عدد من الدول العربية الإقليمية الأخرى، ولا سيما جمهورية مصر العربية لتتصدر المشهد في معالجة القضايا العربية، ولنا من التاريخ شواهد في دور المملكة في تحقيق الاستقرار، وجمع الفرقاء على طاولة الحوار، ومنها اتفاق الطائف بين الفرقاء اللبنانيين، ناهيك عن تخصيص مبالغ مالية دائمة لدعم التنمية في العالم العربي ودعم القضية الفلسطينية، والذي يتلاقى في المستوى العربي مع المستوى الدولي ودور المملكة في مواجهة الضغوط الدولية تجاه القضايا العربية.
أما على المستوى الإقليمي، فيكفي هنا أن نرى الحملة المسعورة للنظام الإيراني وإعلامه، ومن يسير على شاكلته ضد المملكة العربية السعودية لندرك كيف باتت السعودية درعاً حصيناً تجاه الأطماع الإيرانية في المنطقة.
من خلال نظرة سريعة وأمثلة لا تكاد إلا أن تكون غيضاً من فيض من مشاهد الموقف السعودي من قضايا المنطقة، يمكن للقارئ الإجابة عن السؤال الذي طُرح في البداية، وهو ما هو المنظور المنطقي الذي يجب أن يُنظر به للسعودية ودورها؟ بهذا الدور الكبير الذي تقوم به المملكة العربية السعودية والمصير المشترك، يستمر منظور دولة الإمارات تجاه الشقيق الأكبر، فالمملكة وبلا شك عمق استراتيجي وعنصر رئيس في حماية دول الخليج من العديد من التحديات. المصير المشترك لا ينفصل عن قراءة التحديات بطريقة واحدة، وهذا ما يتجلى بوضوح بين السعودية والإمارات. هذا الموقف الذي جعل البلدين يقفان داعمين لجمهورية مصر العربية التي كان البعض يسعى لزعزعة استقرارها ولا يزال.
وتأتي «عاصفة الحزم» لتؤكد القراءة المشتركة في مواجهة التهديدات التي تمس أمن الخليج العربي ومن ورائه الدول العربية. إن المشاهد والمراقب للعلاقات السعودية-الإماراتية وتطورها يلاحظ أن تلك العلاقات قد قفزت لتعانق رؤى مستقبلية مشتركة تحقق بدورها علاقات رصينة متينة تُعزز أواصرها العلاقات الطيبة بين الشعبين والقيادتين، كما أن تأطير تلك العلاقات ومأسستها، يظهر بوضوح في «استراتيجية العزم».
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة