النظام القطري يعتمد على طرفين (الحوثيين والإخوان المسلمين) كأدوات أساسية في التأثير في المشهد اليمني.
ترتكز السياسة القطرية على إثارة وتعميق التناقضات البينية داخل الدول والمؤسسات التي تستهدفها، وهذه المنهجية قد تكون سمة ظاهرة في السياسة القطرية منذ انقلاب يونيو 1995م، وإن كانت البصمات ظاهرة في التاريخ القطري لهذه السياسة، خاصة منذ تولي حمد بن خليفة آل ثاني ولاية العهد في قطر، وعموماً، فإن هذه السياسة رسخت مكانة قطر كعراب للخراب في اليمن، أما لماذا اليمن؟ فلأن هذا البلد المتصارع مع ذاته عليه أن يكون مهدداً لأمن وسلامة المملكة العربية السعودية، ونقطة استنزاف سياسي وأمني للجزيرة العربية والعالم، هذا الهدف الأساسي للأجندة القطرية في اليمن.
نظام الدوحة أعطى صورة نمطية خادعة؛ أنه يحمل استراتيجية لحل النزاعات، وهي خدعة عُرفت عن قطر من خلال رعايتها عددا من المصالحات العربية، وكان اليمن أحد هذه الدول العربية التي نفذت إليها قطر، بعد أن كانت قد مكَّنت أذرعها الإرهابية من حوثيين وإخوان من مفاصل القوة
ويشير الكثير من المراقبين والمهتمين بالوجود القطري في اليمن إلى أن النظام القطري يعتمد على طرفين (الحوثيين والإخوان المسلمين)، كأدوات أساسية في التأثير في المشهد اليمني، وهذا صحيح إلى حد بعيد، ولكن هذا يجب معه إدراك حقائق أخرى، وهي أن نظام الدوحة أعطى صورة نمطية خادعة، أنه يحمل استراتيجية لحل النزاعات، وهي خدعة عُرفت عن قطر من خلال رعايتها عددا من المصالحات العربية، وكان اليمن أحد هذه الدول العربية التي نفذت إليها قطر، بعد أن كانت قد مكَّنت أذرعها الإرهابية من حوثيين وإخوان من مفاصل القوة.
خلال زيارة في (مايو 2007م)، قام بها أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني إلى اليمن، أرسل فريقاً من وزارة الخارجية إلى صعدة، في صحبة الوسيط اليمني الذي عينته الحكومة بغية الاجتماع بقيادة التمرد، كما سافر يحيى الحوثي إلى قطر، لينقل مطالب المتمردين، ونتج عن ذلك إعلان مشترك لوقف إطلاق النار في 16 يونيو 2007، مبني على قائمة من الأهداف العامة التي بقيت سرية، إلى أن نشرها المتمردون بعد حوالي السنة، وتشمل هذه، في جملة أمور، موافقة المتمردين على التخلي عن مواقعهم وأسلحتهم الثقيلة، والتزاماً من الحكومة بإعلان عفو عام، وإطلاق مشاريع إعادة إعمار مدعومة قطرياً في صعدة، كما نص على أن تقوم الحكومة بتشكيل لجنة أخرى تضم يمنيين من الجانبين، إضافة إلى قطريين، كي يسعوا للتوصل إلى اتفاق سلام.
وفي فبراير 2008م، أُبرِم الاتفاق، على الرغم من أن العنف لم يتوقف، ولكن حققت قطر أهدافها بتمويل الحوثيين بمبلغ نصف مليار دولار، بحجة تمويل إعادة الإعمار، وطبعاً ذهبت هذه المبالغ لشراء أسلحة وفتح حسابات بنكية عبر عدة عواصم، منها بيروت والدوحة ودمشق، والأهم من ذلك أنها استطاعت آنذاك إقناع الرئيس السابق علي عبدالله صالح بسداد عدة مديونيات على الحكومة اليمنية، فضلاً عن تقديمها أموالا لشخصيات مسؤولة لتمرير الصفقة الأخطر، وهي شرعنة الوجود القطري وفتح الباب للإيرانيين ليوجَدوا في الأراضي اليمنية بشكل رسمي.
أعلنت الدوحة إنشاء «مؤسسة قطر لتنمية اليمن»، وهي تابعة لمؤسسة قطر للتنمية، التي وعدت حينها بتعهد مشاريع تنموية وبناء البنية التحتية في محافظة صعدة، في خطوة تستهدف دعم الحوثيين والمخطط الإيراني في اليمن.
من الملاحظ أن قطر استطاعت تحقيق اختراقات مزدوجة، فكما اخترقت المؤسسة الرئاسية السابقة اخترقت المكوِّن الاجتماعي في صعدة، وفتحت الطريق للإيرانيين للوجود في معقل الحوثيين، وفيما كانت قطر أيضاً تقدم لحلفائها (الإخوان المسلمين) في اليمن أموالاً، سيطروا من خلالها على سوق الاتصالات، وتحولوا إلى قوة مناهضة للرئيس علي عبدالله صالح، تمهيداً لمرحلة ما يسمى بـ"الربيع العربي"، التي انطلقت بتناغم كبير بين الحوثي من جهة والإخوان من جهة أخرى، استطاعوا تضييق المساحة أمام الرئيس السابق علي صالح خلال أسابيع قليلة، جعلت من الرئيس صالح من أوائل المنددين بالدور القطري في تلك المرحلة، وكان الرئيس الليبي معمر القذافي أيضاً يندد بذلك الدور، فالاختراقات القطرية كانت حادة، وتمت عبر سنوات عمل طويلة.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة