مكافحة الإرهاب في اليمن معقدة، فالحرب ليست ضد تنظيم القاعدة فقط بل ضد مليشيات الحوثي كذلك.
كنت قررت تخصيص مقالات شهر سبتمبر لتناول الدور القطري في تمويل الإرهاب داخل اليمن، غير أن مقالة سفير دولة الإمارات العربية المتحدة يوسف العتيبة التي نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» تحتم وضع القارئ في حيثيات المهام الأساسية لمكافحة الإرهاب في بلد عانى من التطرف الديني طويلاً، إلى أن تمكن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خريف عام 2012م من أن يسيطر على مساحات واسعة من اليمن، فلقد أدى اهتزاز السلطة السياسية المركزية في صنعاء، نتيجة الاضطرابات التي قادها حزب التجمع اليمني للإصلاح، إلى توفير الفرصة التي انتهزها تنظيم القاعدة من جهة والمتمردون الحوثيون من جهة أخرى.
التكامل في مكافحة الإرهاب من خلال الرؤية السعودية والإماراتية اقتضى قرار مقاطعة قطر، ومع ذلك تبقى أذرعها في اليمن ذات نشاطات وتأثيرات مباشرة تقتضي مواجهة مباشرة لهزيمة الإرهاب، الذي وبلا شك تراجع وانحسر بعد الضربات التي تلقاها من التحالف العربي
يبدو اليمن ومن خلال تعقيداته المركبة بيئة صالحة لانتشار الأفكار المتطرفة، ولذلك شكلت عاصفة الحزم (مارس 2015م) العامل المتغير في مواجهة انتشار هذه الأفكار بشكل استثنائي غير مألوف في المعالجات الدولية في مكافحة الإرهاب، والمقاربة مع التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق تبدو أكثر المقاربات موضوعية في هذا السياق، وعلى ذلك يمكننا مقارنة استيلاء تنظيم داعش على مدينة الموصل العراقية (يونيو 2014م) وهو ما استدعى تشكيل الحلف الدولي لاستعادتها عسكرياً (أكتوبر 2016م) بينما ما حدث في المكلا عاصمة حضرموت الإدارية (أبريل 2015م) يماثل ما حدث في الموصل، فلقد سيطر تنظيم القاعدة على كامل ساحل حضرموت بما في ذلك مدينتين رئيسيتين هما الشحر وغيل باوزير.
حصل تنظيم القاعدة على مبلغ (100 مليون دولار) من البنك المركزي، هذه الحادثة كانت لافتة للغاية، فالمبلغ تم تحويله من البنك المركزي في صنعاء في اليوم ذاته الذي انطلقت فيه الحرب (26 مارس 2015م)، واللافت أكثر أن عناصر القاعدة كانوا يمتلكون الأرقام السرية لخزانة البنك المركزي في المكلا، وكما فعل تنظيم داعش في سوريا والعراق ببيع النفط فعل تنظيم القاعدة في حضرموت، واستطاع التنظيم بيع مئات الآلاف من براميل النفط التي كانت ضمن مخزونات ميناء الضبه النفطي في مدينة الشحر، التي كانت مجهزة للتصدير الخارجي قبل سيطرة التنظيم على ساحل حضرموت.
مكافحة الإرهاب في اليمن معقدة، فالحرب ليست ضد تنظيم القاعدة فقط بل ضد مليشيات الحوثي كذلك، كما أن التعقيدات تزداد أكثر بتواجد إخوان اليمن الذين يلعبون أدواراً مزدوجة مع كل الأطراف المتصارعة، وإن كانت الأهمية هي النظر إلى ما تمثله تهديدات الحوثيين على الملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر، واستهدافهم المباشر للقطع البحرية المختلفة سواء أكانت إغاثية أم تجارية أم عسكرية، فلقد استهدفت ميليشيات الحوثي سفينة الإغاثة الإماراتية سويفت (أكتوبر 2016م)، كما استهدفت المليشيات الحوثية فرقاطة سعودية (يناير 2017م) بهجوم إرهابي استخدمت فيه ثلاثة زوارق مفخخة، وكذلك استهداف بارجة أمريكية في جنوب البحر الأحمر (سبتمبر 2016م)، يضاف إلى ذلك زراعتهم لمئات الألغام البحرية على طول الشريط الساحلي جنوب البحر الأحمر.
وبالعودة إلى الخطوات الإجرائية التي اتخذتها السعودية والإمارات في مجال مكافحة الإرهاب فمن المهم دائماً التذكير أن حرباً مفتوحة انطلقت في عدن بعد تحريرها (يوليو 2015م) مع تنظيم داعش الإرهابي مع عشرات العمليات الإرهابية التي عصفت بمدينة عدن حتى تم استعادة المبادرة الأمنية وتشكيل قوات الحزام الأمني التي استطاعت الحد من خطورة هجمات تنظيم داعش وانتقلت إلى مرحلة ملاحقته في أوكاره.
وتقدم السعودية والإمارات نموذجاً ناجحاً في مكافحة الإرهاب يتمثل في تحرير مدينة المكلا (أبريل 2016م)، وتأمين ما يزيد على 330 كيلومتراً من الشريط الساحلي على بحر العرب، وتبدو تجربة تشكيل النخبة الحضرمية تجربة ناجحة بكل المقاييس، فلقد تم إعداد هذه القوة العسكرية عبر خبراء إماراتيين متخصصين، نجحت النخبة الحضرمية في المساهمة من خلال العمليات الأرضية الموكلة إليها في تحرير ساحل حضرموت من تنظيم القاعدة ثم نجحت في تأمين الساحل الحضرمي، وحالياً تقوم مع القوات الإماراتية بتنفيذ عمليات أمنية بدرجة عالية من الحساسية، كما حصل في عملية وادي المسيني (فبراير 2018م)، وهو ما تم استنساخه في محافظة شبوة بتشكيل النخبة الشبوانية، التي استطاعت بدورها تأمين المواقع النفطية في محافظة شبوة.
مكافحة الإرهاب في بلد كاليمن لا تحتمل كثيراً أو قليلاً من التساهل بمقدار ما تتطلب وضوحاً في الرؤية الأمنية، فالإرهاب بأنواعه سواء ما تمثله ميليشيات الحوثي أو ما تمثله القاعدة وداعش، يتغذى من طرفين رئيسيين، هما التنظيم الدولي للإخوان المسلمين والنظام الإيراني، وكلاهما وجد في قطر ممولاً ومشرعناً للجماعات الإرهابية المتطرفة التي أغرقت اليمن في الفوضى، لذلك فالتكامل في مكافحة الإرهاب من خلال الرؤية السعودية والإماراتية اقتضى قرار مقاطعة قطر، ومع ذلك تبقى أذرعها في اليمن ذات نشاطات وتأثيرات مباشرة تقتضي مواجهة مباشرة لهزيمة الإرهاب، الذي وبلا شك تراجع وانحسر بعد الضربات التي تلقاها من التحالف العربي.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة