منعطف مهم في مسار الحرب اليمنية واختبار صعب للمجتمع الدولي، وعلى الاتحاد الأوروبي استثمار هذا الضغط لتحقيق اختراق في التصلّب الحوثي.
بعد 48 ساعة من تهديدات الرئيس الإيراني حسن روحاني في الحرب الكلامية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استهدفت مليشيات الحوثي ناقلتي نفط سعوديتين في البحر الأحمر، لتنتقل الحرب الكلامية بين الإيرانيين والأمريكيين إلى واقع حقيقي، وما تحدث عنه الرئيس الإيراني عن امتلاك إيران لخيارات أخرى ستفاجئ بها الولايات المتحدة غير مضيق هرمز في الخليج العربي كان مفهوما منذ الوهلة الأولى، وهو ما ترجمته المليشيات الحوثية في باب المندب باستهدافها لناقلتي النفط السعوديتين.
الزاوية الأكثر أهمية في القرار السعودي تجميد مرور شحنات النفط الخام التي تمر عبر مضيق باب المندب إلى أن تصبح الملاحة عبر مضيق باب المندب آمنة، تنطلق من أن المملكة العربية السعودية ومنذ عام 2011 تحملت عبئا سياسيا هائلا بالتزامها عدم تدويل الملف اليمني ضمن صراعات الشرق الأوسط، وتحمّلت تبعات هذا العبء لاعتبارات أساسية تنطلق من عدم تعريض الملف اليمني للمساومة السياسية التي تريدها إيران في معركة توسع نفوذها في المنطقة العربية، ولذلك اتبعت السعودية سياسة النفس الطويل في الملف اليمني وأبدت استعدادا للانفتاح على الحلول السياسية التي هي واحدة من أهداف عملية “إعادة الأمل” التي انطلقت في 2015.
منعطف مهم في مسار الحرب اليمنية واختبار صعب للمجتمع الدولي، وعلى الاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي مارتن غريفيث استثمار هذا الضغط الهائل لتحقيق اختراق في التصلّب الحوثي، فعملية الاستنزاف التي يمارسها الحوثيون قابلتها السعودية والإمارات بضبط النفس.
قبيل إعلان الرئيس ترامب قراره انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي تحدث الإيرانيون عن رغبتهم في إتمام صفقة مع الولايات المتحدة أن تُسلم اليمن في مقابل عدم انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، كانت المخيّلة الإيرانية تفترض امتلاكها القرار في اليمن وهذا الخيال لا يلامس واقع الحال الذي ترفضه الولايات المتحدة، لأنها تدرك أن السعودية لن توافق على المساومة في الملف اليمني، ولهذا لم يتم التعاطي إطلاقا مع الإيرانيين بأي شكل من الأشكال.
حساسية تدويل الملف اليمني بالنسبة للسعودية لا تحتمل المخاطرة، فهي تدرك أن التدويل يعني أن تتحول الجغرافيا اليمنية بكل أبعادها السياسية والعسكرية إلى ساحة مفتوحة لصراعات ترغب في إيجادها العديد من القوى الإقليمية والدولية، ولعل السعوديين الذين يرتبطون بعلاقات سياسية قديمة مع اليمن منذ معاهدة الطائف التاريخية عام 1934 يدركون أن التحدي في اليمن هو أن يتم معالجة أزمته مهما تفاقمت في الإطار العربي، وهذا ما تداركته الرياض بعد انقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر 2014 بعد أن تم تسليم المبعوث الأممي جمال بنعمر الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية والتي أخفق فيها وأدّت إلى الانقلاب، فكان على السعودية أن تستعيد زمام المبادرة في اليمن عبر إعلان عاصفة الحزم (مارس 2015) لاستعادة الشرعية السياسية اليمنية.
القرار السعودي بالتجميد المؤقت لتصدير النفط الخام عبر مضيق باب المندب لا يعتبر تدويلا، بقدر ما يمكن اعتباره وضع المسارات الصحيحة للتعاطي الدولي مع الملف اليمني، فاستهداف ناقلة النفط السعودية ليست الأولى بل تكررت على مدى الحرب، وقد استهدفت مليشيات الحوثي بارجة أمريكية في أكتوبر 2016 وسفينة إغاثة إماراتية، ولكن الغاية من الموقف السعودي هو تحميل المجتمع الدولي المسؤولية وتحديدا الاتحاد الأوروبي الذي وقف ضد استكمال عملية تحرير الحديدة.
استنفذ المبعوث الأممي مارتن غريفيث جميع الفرص الممكنة لإقناع مليشيات الحوثي بالاستجابة لمبادرة تسليم مدينة الحديدة بالكامل، ولعب الحوثيون على عامل الوقت في محاولة أن ترمي لهم إيران حبلا يخرجهم من مأزق عسكري خاصة بعد أن أكدت عملية تحرير مطار الحديدة مدى القدرة العسكرية التي تمتلكها ألوية العمالقة الجنوبية والمقاومة التهامية والوطنية بدعم وإسناد من التحالف العربي لإنجاز العمليات العسكرية في وقت قياسي، كما أن ذرائع الأمم المتحدة حول إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية، قد أسقطت تماما بالتزام التحالف العربي بإبقاء ميناء الحديدة مفتوحا مع إطلاق السعودية والإمارات لجسر جوي إغاثي لضمان تدفق المساعدات الإنسانية لجميع المحافظات اليمنية بما فيها تلك التي تخضع لسلطة الحوثيين، بل إن العمليات العسكرية التي تجرى جنوب الحديدة، في التحيتا وزبيد والجراحي، هي عمليات هدفها فتح الطرق والمدن لإيصال المساعدات الإغاثية بريا عبر ميناء المخا في حال تعرّض ميناء الحديدة لأي أضرار محتملة.
منعطف مهم في مسار الحرب اليمنية واختبار صعب للمجتمع الدولي وعلى الاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي مارتن غريفيث استثمار هذا الضغط الهائل لتحقيق اختراق في التصلّب الحوثي، فعملية الاستنزاف التي يمارسها الحوثيون قابلتها السعودية والإمارات بضبط النفس وتحمل عمليات الدفع نحو الهاوية التي لطالما مارستها مليشيات الحوثي بإيعاز من إيران، ومع ذلك لم تتخذ السعودية والإمارات إجراءات مندفعة بل تعاملتا مع المواقف بما تقتضيه الحكمة التي تدرك السعودية أنها تخوض معركة لها أبعادها وأن الإخفاق فيها يعني تدويلا لأزمة اليمن، وهذا ما لن تحصل عليه إيران أو غيرها.
نقلا عن "العرب اللندنية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة