المملكة العربية السعودية اختلفت أعوامها الـ3 الماضية جذرياً عما كانت عليه، طيلة عقود ماضية، بفضل ولي عهدها الثلاثيني محمد بن سلمان.
بالنسبة للشباب السعودي، فإن مملكتهم التي تعود نسختها الثالثة إلى العام 1932، تختلف أعوامها الثلاث الماضية جذريا عما كانت عليه، طيلة العقود الثمانية الماضية، وذلك بفضل ولي عهدها الثلاثيني محمد بن سلمان.
لم يكن ارتقاء هذا الشاب في سلم العرش، منذ إبريل/ نيسان 2015، الشهر الذي تقلد فيه منصب ولي ولي العهد، يمثل انتقالا سلسا للقيادة من جيل أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود إلى أحفاده، بل انتقالا للفئة الأكثر شبابا وحداثة وسط أبناء الأبناء.
فحتى بين الأحفاد، الذين اقترب بعضهم من الـ60 عاما أو تعداها، احتفظ بن سلمان بكونه الأحدث، عمريا وفكريا، الأمر الذي يتجلى في مكانيزمات المملكة حاليا.
رؤية 2030 .. مملكة المستقبل
وفي حين تزامن صعود الشاب مع عجز في موازنة البلاد، بفعل تهاوي أسعار النفط الذي تتزعم السعودية قائمة مصدريه، كان ذلك دافعا له لطرح خططه الإصلاحية من الاقتصاد إلى المسائل الاجتماعية اليومية.
ولمعت سيرة محمد بن سلمان في الأوساط السياسية والمالية العالمية عندما أعلن، في أبريل/ نيسان 2016، أي بعد عام من تقلده منصب ولي ولي العهد، رؤية "2030" الطموحة.
وترتكز الخطة، التي أشرف عليها الشاب الثلاثيني، بوصفه رئيسا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، على تنويع مصادر الدخل عوضا عن الاعتماد شبه الكلي على العائدات النفطية.
ومن محاورها الرئيسة، خصخصة 5 % من أسهم عملاق النفط السعودي، أرامكو، بإدراجها في السوق العالمية، فضلا عن توسيع دور القطاع الخاص، لخلق سوق أكثر تنافسية.
وحينها، قال ولي العهد إن أول فوائد طرح أرامكو في البورصة العالمية ستكون "الشفافية"، لأن الناس تضايقت من غياب بياناتها، وبطرحها للاكتتاب ستكون تحت رقابة البنوك والجميع.
ومسألة الشفافية هذه تفضي إلى محور آخر من خطط بن سلمان الإصلاحية، وهي محاربة الفساد، الذي تصدر به الصحافة العالمية، الشهر الماضي، عندما قاد أكبر حملات اجتثاثه في تاريخ البلاد.
وكان العنوان الأبرز في هذه الحملة، أنها لم تقتصر على وزراء سابقين وحاليين، بل طالت، للمرة الأولى، أحد عشر أميرا من العائلة الحاكمة، كرسالة تؤسس لقانون يتساوى عنده الجميع، بغض النظر عن المكانة والمنصب.
وهذه الخطوة تحديدا، ما رفعت أسهم ولي العهد وسط الشباب في بلد نحو 70 % من رعاياه تحت سن الـ 30 عاما.
تأييد شعبي ودعم دولي
وبجانب التأييد الشعبي، حظيت الحملة بدعم دولي، جسده امتداح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وصف الموقوفين على ذمة تهم الفساد بأنهم كانوا "يحلبون بلادهم على مدى سنوات".
وما غذّى الدعم الشبابي لهذه الحملة، تزامنها مع إصلاحات اجتماعية، لم تبدأ بالسماح للنساء بقيادة السيارات، ولم تنته بفتح دور السينماء والليالي الغنائية.
ومن أعمدة هذا النهج الانفتاحي والمعتدل، الذي طالما تعهد بن سلمان بأنه أولويته الشخصية ضد ما يعتبره منهجا متطرفا، مدينة نيوم العصرية، التي أعلنها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بكلفة 500 مليار دولار.
وما يلفت الأنظار لهذه المدينة العملاقة، التي ستشيد على مساحة 26 ألفا و500 كيلومتر مربع، تمتد إلى أراضي الأردن ومصر، أنها تربط بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي لرؤية "2030".
ومن الأبعاد الاجتماعية لرؤية ولي العهد، تعزيز مشاركة النساء في قوة العمل من 22 % إلى 30 % بحلول عام 2030.
وبحسب صندوق الاستثمارات العامة السعودي، فإن مدينة نيوم ستكون مملوكة له بالكامل، لحين إدراجها في السوق العالمية، وسترتكز على صناعات من بينها الطاقة والمياه والتكنولوجيا الحيوية والأغذية والتصنيع المتقدم والترفيه.
ولكونها مدينة عصرية بحق، ستعتمد نيوم على الطاقة المولدة فقط من قوة الرياح والطاقة الشمسية.
أما على المستوى الخارجي فقد كان ولي العهد أكثر حزما حيال الأخطار التي تهدد المنطقة بأسرها، وأكثرها إلحاحا لجم خطط إيران التوسعية من اليمن إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا.
وبوصفه وزيرا للدفاع، أشرف بن سلمان على الحملة التي تقودها بلاده مع حلفاء عرب، منذ مارس/ آذار 2015، لصالح الحكومة الشرعية في اليمن ضد الحوثيين المرتهنين لطهران.
ولم يقف عند ذلك، بل هدد لاحقا بنقل المعركة إلى إيران، ما لم تكف عن أعمالها التخريبية في الدول العربية.
ويعتقد أوليفييه جاكوب من مؤسسة بيتروماتريكس للاستشارات النفطية، ومقرها سويسرا إن السعودية طورت تحت إشراف بن سلمان "سياسات خارجية صارمة".
حزم في مواجهة الإرهاب
وكذلك، تبنى الشاب الذي تقلد منصب ولي العهد في يونيو/ حزيران الماضي، خططا أكثر حزما تجاه التطرف والإرهاب، محليا ودوليا، كان أبرزها مقاطعة الدوحة، ضمن تحالف رباعي، لتجفيف منابع الإرهاب القطري.
ويلخص المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، روبرت ساتلوف، الذي التقى ولي العهد، خلال زيارة للرياض في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، المشهد بقوله إن الملك القادم " أثبت أنه صاحب أفعال، وليس مجرد أقوال".
فولي العهد، يضيف ساتلوف، "يتحلى بحيوية نادرا ما رأيتها في تلك البقعة من العالم".
واليوم، فإن ما قاله بن سلمان، بشأن الرغبة في "عيش حياة طبيعية، تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة"، هي ما تفسر "جاذبيته" التي تحدث عنها الخبير الأمريكي.