زخم دولي يلف الأزمة السودانية.. هل تُستأنف مفاوضات جدة؟
زخم دولي لف الحرب السودانية بعد عام من اندلاعها، يحرك الأمل في حلحلة منابر التفاوض، وفتح نافذة في جدار الحرب والسيناريوهات الأصعب.
إذ أطلق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تحذيرات من تدهور الأوضاع في السودان في الذكرى الأولى لاندلاع الحرب، وحمَّل طرفي الصراع مسؤولية عرقلة جهود الوساطة.
وقال غوتيريش، إن "المشكلة الأساسية واضحة.. هناك جنرالان اختارا الحل العسكري ويعرقلان حتى الآن جميع جهود الوساطة الجادة".
ورغم قتامة تصريحات غوتيريش، فإنها لا تعكس الواقع بشكل كامل، إذ توجد بعض المساعي لاستغلال الزخم الدولي ودفع عملية التفاوض بين طرفي الصراع، لوقف معاناة الشعب السوداني.
تفاوض غير رسمي
وقال القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، محمد عبدالحكم: "ليس سرا أن هناك تفاوضا غير رسمي وغير مباشر يجري في الوقت الراهن، تقوده الولايات المتحدة عبر مبعوثها الخاص للسودان توم برييلو، والمملكة العربية السعودية".
وأضاف عبدالحكم لـ"العين الإخبارية": "نلحظ أيضا نشاطا مكثفا للإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة في التواصل مع دول مؤثرة في المحيط الإقليمي للسودان، من أجل دفع خيارات التفاوض المباشر مرة أخرى، تحديدا عبر تنشيط منبر جدة لإنهاء الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان الماضي".
وأشار إلى الزخم الذي أحدثه مؤتمر باريس الأخير لإغاثة السودان، وتحرك الأمين العام للأمم المتحدة؛ ودول كبرى في الاتحاد الأوروبي، لتحريك ملف التفاوض، سعيا لوقف أكبر أزمة إنسانية مهملة في العالم.
وقال إنه "بالتزامن مع اتصالات القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) مع طرفي النزاع، ورغم التصريحات العنيفة المتبادلة من قائدي طرفي النزاع، فإن المضي قدما نحو طاولات التفاوض هو الأمر الأكثر ترجيحا في الوقت الحالي".
القيادي السوداني قال أيضا "أعتقد أن طاولة التفاوض المقبلة ستكون أنجح من سابقاتها، وربما نشهد فيها تحقيق الأمل المرجو للسودانيين بوقف إطلاق النار ومن ثم الشروع في عملية سياسية تفضي لحكم مدني يقود عمليات تحقيق العدالة وتعمير ما دمرته الحرب.
تحركات إقليمية ودولية
بالنسبة لمستشار رئيس الوزراء السوداني السابق، فائز الشيخ، فإن مؤتمر باريس سعى لإعادة السودان إلى الواجهة، إلا أن الهجوم الإيراني على إسرائيل عشية المؤتمر قلل من الاهتمام الإعلامي الدولي دون شك، مضيفا أن المؤتمر حقق كثيرا من الأهداف وأهمها ضرورة الإسراع للتفاوض لوقف إطلاق النار.
وأوضح الشيخ لـ"العين الإخبارية"، أن المؤتمر نجح أيضا في جمع تعهدات من المجتمع الدولي لتوفير الإغاثة لضحايا الحرب من نازحين ولاجئين.
ونوَّه إلى أن المعلومات تشير إلى تحركات دولية وإقليمية لإقناع الطرفين بالعودة إلى التفاوض في منبر جدة بعد إضافة الاتحاد الأفريقي والإيغاد ومصر والإمارات، لكن تعدد مراكز اتخاذ القرار في الجيش ربما تؤخر قرار الموافقة إلى ما بعد 18 أبريل/نيسان الجاري مثلما كان مُعلنا، وتجعل أمر الاتفاق ليس سهلا لا سيما مع تصعيد قوات الدعم السريع في مناطق مليط والفاشر غربي السودان.
ممارسة الضغط اللازم
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني محمد الأسباط، إنه "إذا كانت لدى الولايات المتحدة إرادة حقيقية لإيقاف الحرب في السودان، فمن الممكن ممارسة الضغط اللازم لدفع الأطراف للتفاوض".
وأضاف الأسباط لـ"العين الإخبارية"، أن "واشنطن لديها أدواتها للضغط على الطرفين، لدفعهما إلى طاولة التفاوض لوقف الحرب وإطلاق عملية سياسية وترتيبات انتقالية تؤدي في نهاية المطاف إلى إجراء انتخابات، واستعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي، وتحديد ممرات ومسارات لإيصال الإغاثة، خصوصا أن المجاعة تطبق على السودان وتحيط به إحاطة السوار بالمعصم".
واعتبر أن كل هذه الخطوات تتوقف على الإرادة الأمريكية إذا كانت تمتلك إرادة حقيقية، وكل المؤشرات والمعطيات الراهنة تشير إلى أن واشنطن بدأت البداية الصحيحة بتعيين مبعوث خاص للسودان، وهو دبلوماسي رفيع ولديه خبرة في مسألة فض النزاعات، ويمتلك معرفة بمنطقة أفريقيا.
وأشار إلى أن المبعوث الأمريكي كانت بداية عمله صحيحة بأن جاء إلى المنطقة والتقى مع الدول المؤثرة واستمع إلى أصحاب المبادرات في الإيغاد أو الاتحاد الأفريقي ودول الجوار، كما التقى الفاعلين الأساسيين ومنظمات المجتمع المدني، وبالتالي يبدو أنه الآن يمتلك كل المُعطيات التي توفر له إعداد خُطط سليمة وعملية وفاعلة لإطلاق الحوار بين الطرفين.
وقال إنه "يمكن للولايات المتحدة أن تسهم في إيقاف الحرب بالسودان إذا كانت تملك الإرادة لذلك".
ضغوط أمريكية
ومؤخرا، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، التواصل مع الشركاء الرئيسيين، خاصة الأفارقة والدول الإقليمية للضغط على الأطراف المتحاربة لإلقاء أسلحتها واستئناف محادثات السلام، لأن المزيد من القتال لا يمكن أن ينهي هذا النزاع ولن ينهيه.
وأضاف بلينكن، في خطابه بمناسبة مرور عام على اندلاع النزاع في السودان: "سنعزز الجهود الرامية إلى محاسبة مرتكبي جرائم الحرب وغيرها من الفظائع في قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، من خلال تعزيز العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الأفراد والمؤسسات والكيانات الأخرى المسؤولة عن الانتهاكات".
بارقة أمل جديدة
كما برز بصيص أمل في العاصمة الفرنسية، الذي قد يمثل أيضا بارقة أمل جديدة في نفق السودان المظلم منذ عام، بمخرجات مؤتمر باريس الذي انعقد لتوفير الدعم للبلد الأفريقي الغارق في الحرب منذ عام، ومحاولة إيجاد حل سلمي للأزمة.
الاجتماع، حضره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وشاركت ألمانيا في رئاسته، بالإضافة إلى عدة دول، كما ضم نحو 40 شخصية من المجتمع المدني السوداني.
ودعم الاجتماع إيجاد مخارج للنزاع عبر دعم مبادرة سلام موحدة، وشقا إنسانيا هدفه تعبئة التبرعات وتقديم معونة ضخمة لهذا البلد المدمر في القرن الأفريقي، الذي أسفر عن إعلان مساعدات مليارية.
ودعت 14 دولة، شاركت في الاجتماع، من بينها ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة والسعودية وجيبوتي وتشاد ومنظمات دولية مثل الأمم المتحدة وهيئة التنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، في إعلان مشترك، كل "الأطراف الأجنبية"، إلى وقف دعمها المسلّح لطرفي النزاع.
وطالب المجتمعون "كل الأطراف الإقليمية والدولية بتقديم الدعم دون تحفظ لمبادرة سلام موحدة لصالح السودان".
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن المجتمع الدولي، الذي شارك، الإثنين، في باريس وعد بتقديم مساعدات بأكثر من ملياري يورو لمساعدة السكان المدنيين.
ومنذ 15 أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 14 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
ويعاني 18 مليون سوداني، من بين إجمالي السكان البالغ عددهم 48 مليونا، من نقص حاد في الغذاء.