الرياض ذات الموقع الاستراتيجي والإطلالة على بحرين وقربها من المحيط الهندي ومخزونها الهائل من النفط والغاز تجد فرصة كبيرة تلوح من الشرق
لا يزال يتذكر السعوديون بكثير من الدهشة أعمال الشركات الكورية بداية الطفرة السعودية الأولى منتصف السبعينيات، كان الكوريون ولا يزالون في الذاكرة الشعبية السعودية منجزين وذوي كفاءة عالية ومشاريعهم على بعد خمسة عقود صامدة وبنفس الجودة.
لماذا كوريا؟ لأن لديها تجربة إنسانية وصناعية ثرية جداً، استطاعت معها النهوض من حرب طاحنة ونزيف مستمر بين الكوريتين والتحول لدولة متقدمة تكنولوجياً، مع ملاحظة أنها حققت ذلك من دون ثروات طبيعية
ولذلك فالعلاقة الشعبية «السعودية الكورية» ليست مخزونة في السفارات والممثليات ولا بين الوزارات والمؤسسات الحكومية، بل إن شواهدها على لسان الأهالي وذكرياتهم، بل مقارناتهم مع غيرهم، وحاضرة في الشوارع والاتصالات والسدود والعديد من مشاريع البنية التحتية الكثيفة التي بنتها الشركات الكورية وأحسنت التعامل مع عقودها.
هل تستطيع الرياض أن تستلهم التجربة الكورية؟
بلا شك أن توطين التكنولوجيا وتسليمها للطاقات البشرية السعودية، وتنويع التجارب واقتناص الفرص والتقدم الاقتصادي هو أحد مرتكزات رؤية المملكة، والزيارة التاريخية للأمير محمد بن سلمان لكوريا الجنوبية هي جزء من الزيارات الملكية لشرق آسيا، واستكمالاً لخط الشراكات الذي قاده إلى باكستان والهند بداية العام الحالي.
جهود الرياض لا تتوقف عند الاستفادة من التجربة الكورية، بل الالتحاق بالتجمعات الاقتصادية الكبرى ومن أهمها اقتصاد «الدائرة الذهبية» الذي يتخلق في شرق آسيا، المكون من كوريا والصين واليابان والفلبين وتايلاند وماليزيا وإندونيسيا وهونج كونج وسنغافورة ثم وصولاً إلى الهند، بلا شك أنها مجموعة عملاقة تتجمع لبناء منظومة متفوقة صناعياً وتجارياً وتكنولوجياً، وأكثر ما يجمع هذه الدائرة المكون السكاني الهائل الذي يصل إلى 3 مليارات نسمة، أي أن هذه الدول مجتمعة تشكل سوقاً بينية يمثل نصف البشرية.
هذا التجمع الاقتصادي الكبير في شرق آسيا تقوده لأول مرة الولايات المتحدة الأمريكية، وتريد أن تكون جزءاً من المنظومة التي ستقود العالم في المئة سنة القادمة، نائية بنفسها عن العالم الغربي، فالمؤشرات الاقتصادية تؤكد أن أوروبا العجوز ليس لديها القدرة على إعادة الروح في اقتصادها المريض والذي عجز عن ترميم نفسه: ألمانيا متراجعة، إنجلترا خرجت من المنظومة، الفرنسيون متعبون، هذا فضلاً عن الإسبان واليونان والإيطاليين المنهكين تماماً.
الرياض ذات الموقع الاستراتيجي والإطلالة على بحرين «الخليج العربي والبحر الأحمر» وقربها من المحيط الهندي ومخزونها الهائل من النفط والغاز تجد فرصة كبيرة تلوح من الشرق، وأن تكون شريكاً ملحاً وليس محتملاً لاقتصاد دول «الدائرة الذهبية».
ولي العهد السعودي يبني ملامح الشراكة مع الشرق، فالدخول في تلك المنظومة الجديدة والتحالف معها وتدوير المنافع الاقتصادية يجعل من الرياض مزوداً حصرياً آمناً لهذه الدول، وكذلك يمنح السعودية في المقابل حق نقل التكنولوجيا إلى أراضيها.
العقود السعودية في مجال الصناعة أو الصفقات العسكرية في السنوات الماضية حملت شرط توطين جزء من تلك الصناعات في الداخل، وبالتالي فإن استنساخ التجربة الكورية واليابانية يصبح ممكناً، فالدولتان وطنتا الصناعات الأمريكية ثم خلقتا بالتوازي صناعتهما الخاصة ما أحدث طفرة تفوقا بها على كثير من الاقتصادات الغربية.
لماذا كوريا؟ لأن لديها تجربة إنسانية وصناعية ثرية جداً، استطاعت معها النهوض من حرب طاحنة ونزيف مستمر بين الكوريتين والتحول لدولة متقدمة تكنولوجياً، مع ملاحظة أنها حققت ذلك من دون ثروات طبيعية، وهنا تبرز المعجزة الكورية، لقد استطاعت من خلال تعزيز وتوظيف «طاقة البشر» التحول إلى واحدٍ من نمور الاقتصاد الآسيوي ورقم صعب لا يمكن تجاوزه في الاقتصاد العالمي، وهو ما سيسهل تحول السعودية إلى نمر اقتصادي في غرب آسيا.
نقلاً عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة