كانت عبارة "تحجيم ايران" العبارة التي تكررت أكثر من أي عبارة أخرى خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية الى واشنطن منتصف هذا الشهر. لقد أصبح تحجيم إيران سياسيا وجغرافيا هدفا خليجيا وامريكيا مشتركا لتحقيق الأمن والإستقرار في
كانت عبارة "تحجيم ايران" العبارة التي تكررت أكثر من أي عبارة أخرى خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية الى واشنطن منتصف هذا الشهر. لقد أصبح تحجيم إيران سياسيا وجغرافيا هدفا خليجيا وامريكيا مشتركا لتحقيق الأمن والإستقرار في الخليج وعلى امتداد العالم العربي.
ويبدو أن هناك اتفاق وتوافق بين واشنطن ومعظم العواصم الخليجية أن تمدد إيران في جوارها الجغرافي بلغ درجاته القصوى وزاد عن حده، ولا بد من تحجيمه والتصدي له عبر تقليم مخالب إيران التي تصنف على نطاق واسع بأنها "الراعي الأكبر للإرهاب" في عالم اليوم. لقد أكّد وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس مراراً وتكراراً وفي أكثر من مقابلة صحفية، أنه عندما يبدأ يومه يذكّر نفسه ويذكّر كل من حوله أن إيران أصبحت اليوم الخطر الأول والثاني والثالث ليس على أمن واستقرار الشرق الأوسط بل أيضا على أمن واستقرار النظام العالمي.
لأول مرة منذ 8 سنوات هناك إجماع خليجي وأمريكي على خطورة إيران وعلى أن تمددها الإقليمي أصبح لا يطاق، وأن طهران استغلت سياسة الجزرة الدبلوماسية التي اتبعها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لتزيد من نفوذها وحضورها خارج حدودها، وتخلق لنفسها مجالاً استراتيجياً حيوياً أكبر من حجمها السياسي. بسبب سياسة الجزرة الأوبامية تضخّمت إيران وتمددت خلال الـ8 سنوات الماضية شرقاً وغرباً وجنوباً عبر مليشياتها وأتباعها وأعوانها الذين يسيرون عن قرب وعن بعد بواسطة الحرس الثوري الإيراني.
لقد سعى الرئيس أوباما بحسن نية لاحتواء إيران وتغيير نهجها الثوري وتحويلها الى نظام معتدل، والى دولة تحترم مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون غيرها. كانت حزمة أوباما سخية كل السخاء وشملت مغريات دبلوماسية واقتصادية وسياسية بما في ذلك اعترافه الصريح والذي لم يسبقه اليه أي مسؤول أمريكي آخر منذ 1979 بجمهورية إيران الاسلامية، وتعهده بوقف سياسة تغيير النظام في ايران، وقدّم سلسلة من التنازلات الصعبة في سياق توقيع اتفاق البرنامج النووي بما في ذلك رفع العقوبات الاقتصادية المتشددة.
لكن اتضح ان سياسة الجزرة السخية كانت ساذجة في التعامل مع طهران التي لم تتراجع عن نهجها الراديكالي ولم تراجع سلوكها الثوري. ظلت ايران كما كانت دائما ذات نزعة امبراطورية واستعلائية تجاه جوارها الجغرافي، وظلت كما كانت منذ ثورة 1979 ذات ميول مذهبية راسخة في دستورها وظلت كما كانت منذ العصر الشاهنشاهي مصرّة على احتلال جزر الامارات ابوموسى وطنب الكبرى والصغرى. لم تحدث سياسة الجزرة أي تحول في طبيعة النظام الايراني كما كان يتوقع أوباما. بل على العكس من ذلك، رأت ايران في أوباما الضعف الأمريكي في أنصع صوره. وحاولت استغلال حسن نواياه أسوأ استغلال لتأكيد أن أيام أمريكا في المنطقة أصبحت معدودة وعليها الاستعداد لإدارة المنطقة وفق أجندتها وتشكيل مستقبلها وفق مصالحها. بل صعّدت إيران المواجهة مع التواجد الامريكي وأخذت تتحرش مباشرة بالسفن الحربية الأمريكية بشكل يومي دون أي رد فعل من إدارة اوباما. كذلك فهمت إيران ان سياسة الجزرة تعني الضوء الأخضر الأمريكي لتحقق المزيد من التمدد في النظام العربي المتهالك. واعتقدت أن اوباما يفضل التعامل مع إيران أكثر مما يفضل التعامل مع حلفاء أمريكا في حربه ضد التنظيم الارهابي داعش.
من الواضح الآن أن ادارة ترامب غير مقتنعة بجدوى سياسة الجزرة ويبدو أن معظم دول الخليج متفقة أن الوقت حان لاستبدالها بسياسة العصا لتحجيم إيران. سياسة العصا الغليظة أصبحت ضرورية لوقف تجارب إيران الصاروخية، واستفزازاتها في مياه الخليج، وتهديداتها المتكررة ضد دول الخليج خاصة البحرين وتدريبها وتمويلها الموثق للمليشيات الطائفية التي أصبحت بنفس خطورة تنظيم داعش الارهابي.
لا يمكن بعد اليوم التعامل مع إيران التمدد والتشدد بسياسة الجزرة وحدها، ولا يمكن الحد من خطورتها عبر نهج الاحتواء وحده. المطلوب التلويح لايران بالعصا الغليظة، وان تطلب الأمر استخدام هذه العصا. والمطلوب ثانيا تحجيم إيران والذي يعني تقليم مخالبها وأنيابها المتمثلة في مليشياتها في عموم المنطقة، خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين.
تبدو إدارة ترامب الجديدة مقتنعة بسياسة تحجيم إيران وبنهج العصا بدلا من سياسة الجزرة. ففي أقل من شهرين صعّدت الإدارة الأمريكية خطابها ضد إيران. فالرئيس دونالد ترامب وصف أوباما بأنه كان "لطيفا أكثر مما ينبغي تجاه إيران"، ووعد بتمزيق الاتفاق النووي الذي قال إنه أسوا اتفاق في التاريخ. كما أعلنت إدارته الأسبوع الماضي عن حزمة جديدة من العقوبات ضد 30 شركة تتعامل مع ايران، وفي خطوة مفاجئة قررت وزارة الخارجية الامريكية إدراج إثنين من قادة جماعة سرايا "الاشتر" البحرينية على قائمة الارهاب. وجاء في بيان وزارة الخارجية الامريكية "أن هذه خطوة أولية في سياق نهج جديد لتحجيم نفوذ ايران ومواجهة نشاطات جماعاتها الإرهابية المنتشرة في المنطقة".
جاءت هذه الخطوة غير المسبوقة لتؤكد أن النهج الصقوري هو النهج السائد في إدارة ترامب وأن هدفها المعلن هو طي تمدد إيران ووقف تضخمها وتغلغلها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين. لا شك ان دول الخليج فرحة بنهج العصا وتأمل في استمراره قولا وفعلا، بل كانت سبّاقة في تطبيق سياسة تحجيم ايران ومواجهة تمددها الاقليمي في اليمن وسوريا ولبنان وإن تطلب الأمر على أرض العراق. وكم كان ملفتا للانتباه تأييد حيدر العبادي رئيس وزراء العراق لسياسات ترامب للحد من نفوذ ايران الاقليمي خلال زيارته الاخيرة الى واشنطن.
لقد بدأ تطبيق سياسة العصا وانطلق نهج تحجيم إيران الذي ينطلق من فرضية بسيطة هي أنه إذا كان قطع رأس الافعى غير متاح حاليا، فان الخيار البديل هو البدء بقطع ذيل الأفعى علها تستكين وتعود الى جحرها. مهما كان الأمر فان نهج تحجيم ايران سيكون صعباً وسيستغرق وقتا ويتطلب دعما من المجتمع الدولي، لكنه ضروري لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة حيوية عانت بما فيه الكفاية من الحروب والفوضى وعدم استقرار.
نقلا عن السي إن إن
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة