أزمات متلاحقة.. هل ينهار ائتلاف شولتز في ألمانيا؟
ائتلاف حكومي على أجهزة التنفس الصناعي، يعاني أزمات داخلية أكثر ما يحل مشكلات، ما يثير تساؤلا حول مستقبله في حكم ألمانيا بـ2024.
وبعد عامين من توليه منصبه، اعتبرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية بنسختها الأوروبية، أن المستشار أولاف شولتز يسير وحيدًا على نحو متزايد، وسط موجة من الأزمات التي هزت وقسمت ائتلافه الثلاثي مع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر.
ورجحت في تقرير مطول لها، أن الأزمات والتوقعات المضطربة التي يعيشها شولتز وحكومته تدفع نظريا نحو عدم استمرار الائتلاف طويلا، لكن المستشار سيكافح لوضع الحكومة على أجهزة الإنعاش في العام الجديد.
لكن الناخبين بدؤوا في التساؤل عما إذا كان المستشار جديرا بالوصول إلى هذا المنصب، وإذا كان ينبغي لحكومته أن تستمر لفترة ولاية كاملة مدتها أربع سنوات.
وكدلالة على الفترة الصعبة التي يعيشها، أصيب شولتز بفيروس كورونا المستجد في ختام عام كاد يفقد فيه عينه إثر حادث سير قبل أشهر، وبدت العدوى الفيروسية وكأنها بمثابة مهلة لالتقاط الأنفاس، لكن "فترة الراحة لن تدوم".
وعود وتهديدات
بالعودة لوقت تولي شولتز منصبه، صعد ائتلاف المستشار الألماني الثلاثي إلى السلطة بناء على تعهد بإنقاذ أكبر اقتصاد في أوروبا من سبات عهد المستشارة السابقة أنغيلا ميركل.
لكن بعد مرور عامين على ولاية الحكومة، فإن الخلاص الوحيد الذي يبحث عنه معظم الناخبين هو من شولتز وتحالفه، وفقا لـ"بوليتيكو".
وكشف أحدث استطلاع أجرته هيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية العامة "أي آر دي"، عن أن الدعم المشترك للأحزاب المشاركة في الحكومة انخفض إلى 33% مقارنة بـ52% في الانتخابات الأخيرة (2021).
فيما يتصدر الاتحاد المسيحي المعارض الاستطلاع منفردا بـ32% من نوايا التصويت.
وفي بداية ولايته، نال شولتز الثناء لإعلانه أن "الغزو الروسي (كما تسمي دول غربية العملية الروسية في أوكرانيا) واسع النطاق لأوكرانيا كان بمثابة نقطة التحول التاريخية" التي تتطلب من ألمانيا إعادة بناء قواتها المسلحة المنهكة.
كما قطع ائتلافه الحاكم خطوات كبيرة في تمرير التشريعات التي تهدف إلى فطام ألمانيا عن الوقود الأحفوري، لكن الائتلاف كان أقل نجاحا في تحديد كيفية تمويل هذا التحول في الطاقة.
إلى ذلك، أثبتت الفترة الماضية، أن مرحلة التنفيذ هي ضعف الحكومة، إذ تعثرت في تنفيذ الأهداف، وهو ما بلغ ذروته الشهر الماضي، إثر قرار المحكمة الدستورية بأن إطار ميزانية الائتلاف الحكومي كان غير قانوني.
وبموجب هذا الحكم، حرمت الحكومة من مئات المليارات من التمويل خارج الميزانية، وضعت "صناديق خاصة" كانت تأمل في الاستفادة منها في السنوات المقبلة، ما ترك الأجندة التشريعية للائتلاف برمتها في حالة من الفوضى، وفقا لـ"بوليتيكو".
والآن، يتمثل التحدي الأكبر أمام شولتز في الفوز بتأييد زعيم الحزب الديمقراطي الحر كريستيان ليندنر، وزير المالية، للخروج من مأزق ميزانية العام الجديد.
ويرفض ليندنر منح شركائه تفويضا مطلقا من خلال رفع مكابح الديون في عام 2024، لتعويض الأموال التي حظرت المحكمة الدستورية استخدامها.
ومن أجل التهدئة قبل عطلة عيد الميلاد، اتفق شولتز مع زعماء حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، بعد اجتماع استمر ليلة كاملة، على تطبيق ما يمكن وصفه بأنه أفضل ضمادة لوقف نزيف الميزانية.
وعليه، أعلنت الأحزاب الثلاثة اتفاقها على حل وسط من شأنه أن يمهد الطريق لميزانية 2024.
لكن المسؤولين من الأحزاب الثلاثة بدؤوا بعد ذلك التشكيك في الجوانب الرئيسية للاتفاق، ما يشير إلى أن الائتلاف سيقضي الشهر الأول من عام 2024، إن لم يكن أطول، في محاولة وضع ميزانية للعام الجديد.
ونتيجة لذلك، ستضطر الحكومة إلى الاكتفاء بموازنة طوارئ في الفترة الأولى من العام، على أساس ما أنفقته في عام 2023.
سحب الثقة
بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يثير غضب العديد من الناخبين هو أن شولتز وضع الحكومة في هذا الموقف منذ البداية، إذ كان استغلال صناديق خاصة فكرته، وقد نفذها دون خطة احتياطية، على الرغم من أنه كان يعلم أن هناك فرصة لأن تحكم المحكمة بأن مناورته غير قانونية.
ووفقا لـ"بوليتيكو"، فإن مثل هذه الأزمة في العديد من البلدان قد تؤدي إلى انهيار الحكومة، لكن لم يحدث ذلك في ألمانيا، إذ يكاد يكون من المستحيل إسقاط الحكومات الألمانية سواء في السراء أو الضراء.
وعليه، لتجنب تكرار السياسات المضطربة التي سادت في حقبة جمهورية فايمار (1919-1933)، والتي ساهمت في صعود النازية، سعى واضعو القانون الأساسي الألماني في فترة ما بعد الحرب إلى ضمان الاستقرار من خلال إنشاء نظام سياسي يتطلب حل النزاعات بسرعة مع أقل قدر ممكن من الاضطراب.
وحدد المشرعون سقفاً عالياً لإجراء انتخابات مبكرة. على سبيل المثال، يتمتع المستشار وحده بسلطة الدعوة إلى التصويت على الثقة في البرلمان، ورئيس البلاد فقط يستطيع الدعوة إلى انتخابات جديدة.
ولذلك، التصويت على الثقة في ألمانيا نادر، وعادة ما يكون بمثابة تحركات تكتيكية من قبل المستشارين الذين يسعون إلى تعزيز مكانتهم السياسية.
وجاءت الحالة الوحيدة التي تم فيها إقالة مستشار ألماني في عام 1982، عندما تخلى الحزب الديمقراطي الحر عن تحالفه مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي كان يتزعمه المستشار هيلموت شميدت، ما اضطره إلى الدعوة للتصويت على الثقة، وهو التصويت الذي خسره.
وعلى النقيض من شميدت، ينبغي لشولتز ألا يقلق بشأن مغادرة الحزب الديمقراطي الحر لتشكيل ائتلاف جديد مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي، لأنهما لا يملكان عدد المقاعد الكافي للقيام بذلك.
وكان الحزب الديمقراطي الحر فاز بـ11.5% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، في حين حصل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي على 24%، ما يجعل حصيلة الثنائي أقل بكثير من الأغلبية.
ومع ذلك، يعتقد بعض المراقبين أن الأزمة الدائمة في ائتلاف شولتز يمكن أن تدفع الحزب الديمقراطي الحر، إلى القفز من السفينة، لا سيما وهناك بالفعل موجة كبيرة في الحزب تدعو إلى الخروج من الائتلاف، وجمع المعارضون ما يكفي من التوقيعات للتصويت على هذه المسألة.
وعليه، يشير ذلك إلى أن الحزب الديمقراطي الحر سيظل سيفا على عنق حكومة شولتز، وإذا انسحب الحزب، فسيتعرض المستشار لضغوط للدعوة إلى تصويت على الثقة من المرجح أن يخسره.
وإذا حدث ذلك، يمكن للمستشار الألماني أن يحاول البقاء في منصبه في حكومة أقلية مع حزب الخضر.
وتبقى الأزمة الأساسية قائمة، مع أو من دون الحزب الديمقراطي الحر، إذ لا يزال شولتز يعاني لتمويل الأجندة التشريعية للائتلاف الحاكم.