"فلسفة البحر".. كتاب يبحث في تغير الفلسفات حول البحر تاريخيا
الكتاب يؤكد أن الفلسفات القديمة كانت معنية بخلق تصورات كلية عن الكون، في القلب منها البحر بفوائده ومخاطره، ومكانته الثابتة في الطبيعة.
يبحث كتاب "فلسفة البحر" للمؤلف جونتر شولتس الذي ترجمه إلى العربية شريف الصيفي، كيف اختلفت الآراء والفلسفات حول البحر عبر التاريخ، ويدعو إلى تبني أخلاقيات بيئية للحفاظ على مياهه.
"فلسفة البحر" الذي صدرت ترجمته العربية عن مكتبة "تنمية" للنشر والتوزيع بالقاهرة، فيما صدرت الطبعة الأولى منه عن دار "مار" للنشر، وهي متخصصة في كل ما يتعلق بالبحر من مواد سمعية وبصرية.
أما مترجمه شريف الصيفي، فهو باحث مصري في مجال المصريات يعيش في ألمانيا، سبق أن ترجم عدة مؤلفات رئيسية في التاريخ القديم، أبرزها ترجمته لكتاب "الخروج إلى النهار" المعروف باسم "كتاب الموتى".
يؤكد الكتاب أن الفلسفات القديمة كانت معنية بخلق تصورات كلية عن الكون، في القلب منها البحر بفوائده ومخاطره، ومكانته الثابتة في الطبيعة؛ حيث كان تلاميذ الفيلسوف طاليس الذي يمكن اعتباره أول فيلسوف في العالم، يعلنون أن الماء هو أساس العالم.
أما أرسطو؛ فلم يشارك أستاذه أفلاطون رفضه الأخلاقي للبحر، الذي تجلى في كتابه "الجمهورية"، رغم أن البحر احتل جزءاً كبيراً في كل ما هو شائع حول "أطلانتس"، التي كانت أول يوتوبيا في التاريخ، لكنها غرقت في الطوفان، وفيها يبدو أن القرب من البحر يشكل خطراً على هذا المجتمع المثالي الذي دعا إليه أفلاطون، في حين سعت الفلسفة الحديثة للنظر للبحر بوصفه منبع كل حياة وأصلها، لذلك لم يعد كياناً ميتاً.
ومن المثير أنه خلال عصر النهضة كان التفكير المتعلق بالبحر يربطه بالكثير من الجزر اليوتوبية، التي كانت أفقاً خلقه الفلاسفة لبناء تصورات بديلة عن العالم، واندمجت الفلسفة كلياً في صراع حول علاقات ملكية البحر الذي أصبح فيما بعد مسألة حاكمة لصياغات القانون البحري الدولي, ورغم الحروب والصراعات ظلت الأسس الأخلاقية حية.
ومع نمو دراسات فلسفة التاريخ، أصبح البحر من العناصر الحاكمة لتقديرات القوى، فالنهضة كحدث فارق في التاريخ ارتبطت بازدهار المدن البحرية على شاطئ المتوسط، التي استطاعت أن تأتي من اللا شيء لتصل الى كل شيء.
ويعرض شولتس نماذج معرفية أخرى تعاطت مع البحر كموضوع للبحث، فالفيلسوف فرنسيس بيكون، رأى أن البحر أفق مفتوح لاكتشافه والاستيلاء عليه، وفي حين دعا الفيلسوف إيمانويل كانط وهيجل من بعده، إلى "حرية البحر".
فاعتباراً من القرن الـ19، ظهر البحر باعتباره مثالاً أو رمزاً للسمو وأحياناً للجمال، وظهر في التفكير الفلسفي بوصفه مرآة لتجليات العالم والذات البشرية، ومما يلاحظه المترجم في تقديم الترجمة، أن الكتاب أغفل تماماً كل ما يتعلق بالموقف من البحر في الفلسفات غير الغربية.
وبداية من القرن الـ18 حتى القرن الـ20، أصبح البحر نقطة مرجعية مهمة في سياق الحوار الجمالي، ولهذا السبب أصبح البحر مهماً بالنسبة إلى هيجل لفهم أوروبا، حيث جاءت مقولته: "لا يمكن لمدينة أوروبية أن تنمو إلا من خلال علاقة بالبحر، فالبحر يفصل الأرض لكنه يربط بين البشر".
ووفقاً لهذه القناعة أصبح البحر المتوسط هو قلب العالم القديم، وهو مركز نظرة مؤرخ فرنسي بارز هو فرديناند برودويل الذي كتب عمله الموسوعي الضخم عن المتوسط، وتحول فيه البحر إلى بطل حقيقي للسرد، وأصبح شريكاً رئيسياً في صناعة حركة التاريخ.
وطوال القرن الماضي، بدأ نقاشاً لم يكن خالياً من التفلسف حول البحر، بعدما أصبح مقبرة للنفايات؛ حيث جرى استغلاله طويلاً من قبل أعداء البيئة، لذلك نشأ خطاباً بيولوجياً يهتم بالبحر، ويبحث في أخلاقيات البيئة، وهو ما يدعو الكتاب إلى تبنيه، بغرض الحفاظ على البحر كخزانة للأحياء.
aXA6IDEzLjU4LjE2MS4xMTUg جزيرة ام اند امز