"صلاة البحر".. قصة لم تبتلعها الحرب يرويها خالد حسيني
فيلم قصير بالرسوم ثلاثية الأبعاد لقصة "صلاة البحر" Sea prayer للروائي العالمي الأعلى مبيعا خالد حسيني.. تعرف عليه
قبل أن يبتلع البحر صوت الفيلم، ويُسلمنا لتتر النهاية، تكون ذكرى الطفل "آلان كردي" قد انطبعت بثقلها من جديد على جدار القلب، وكان هذا هو مراد الروائي الأفغاني- الأمريكي خالد حسيني من قصته "صلاة البحر" prayer of the sea، التي أهداها لذكرى غرق الطفل السوري الأليمة، وتم تحويلها لفيلم قصير.
ورغم أن "صلاة البحر" مستوحاة من ذكرى رحيل آلان السنوية الثانية، إلا أن الطفل "آلان كردي" لم يحل بصورته الوحيدة التي تلقفها العالم بفزع في أي من مشاهد الفيلم القصير، بل استوحى من جثته الملقاة على أحد شواطئ البحر المتوسط، قصة قصيرة جعل بطلها "صوت" لأب سوري يروي لابنه "مروان" قصةً بلد بين دفتي السلام والحرب.
شاركت صحيفة"الجارديان" البريطانية حسيني، صاحب"عداء الطائرة الورقية"، مشروعه الجديد وقامت بتحويل القصة، بالاشتراك مع"المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، لفيلم قصير بطريقة الرسوم بالأبعاد الثلاثية.
أبطال الفيلم هم صوت الراوي، الذي أدى صوته الممثل البريطاني عديل أختار، ومعه المؤثرات الصوتية والرسوم، ويروي تاريخ قرية في ريف مدينة حمص السورية، وما آلت إليه بسبب الحرب في فيلم مدته 7 دقائق.
أخضر
جعل مؤلف القصة خالد حسيني بطل فيلمه أب يحكي لطفله "مروان" ذكرياته في قريته السورية، ذكريات متجذرة في لون القرية الأخضر، وحضور الجدة وعنزتها المشاكسة، خيرات تشق الأرض، وتُهدي للسماء أشجار الزيتون، أصوات تنبعث من مسجد يتلو الأذان، ملتحما مع جرس كنيسة مجاورة، يتلو الأب ما تيسر من ذكريات على مسامع ابنه "مروان" الذي لم يظهر بصوته في الفيلم.. فقط كان الأذن التي تلتقط حديث الأب واسترساله.
أصوات
شريط الصوت في فيلم خالد حسيني عامر بالحكي، يستهل بشريط يحاكي نهار القرية المسالمة، مع صوت ديك صبوح قبيل طلوع الشمس، يلتحم بزقزقة عصافير، وخوار أبقار وخرير مياه رقيق، باختصار خليط من أصوات النهار، تلك الأصوات التي تنحسر مع زحف بطيء لمرور الوقت، ليحل مكانها أصوات تظاهرات، وقنابل، ومروحيات تحوم في الجو، سيارات إسعاف، أصوات الحرب تعلو على كل شئ.. وهي الأصوات التي يقول الأب لمروان "هي الأصوات التي تعرفها جيدا" في عبارة تختصر ذاكرة أطفال الحرب.
تكسو الحرب الصورة كذلك كما شريط الصوت، فتبدأ مزرعة الجدة الخضراء، تلك الفردوس الأرضي، تنحسر لصالح زحف بحر يبتلع السلام والقرية الخضراء، شريط الصوت يسلبه صوت أمواجه الهادرة وغير المريحة، صوت البحر المرتبط بالموت.
أزرق
ما أن تحل الدقيقة الرابعة من الفيلم، مدته 7 دقائق، حتى يتبدل الحال تماما، تُحاصر القرية المسالمة الواقع الجديد، تحاصرها أنباء الموت غرقا بعد محاولات فاشلة للنجاة واللجوء عبر البحر.
تختلط في البحر الجنسيات، الأطفال لن تُميز بكاءهم، "أفغان.. صوماليون.. سوريون.. يتأمل أصواتهم والد "مروان" وهو يتأمله "أنظر إليك وأنت تضيء من وهج القمر ، أهدابك مرسومة كخط عربي، أنظر إليك وأنت تستلم لنوم هادئ".
في البحر مناجاة تُبدل خطاب الأب لابنه مروان، وكأنه يستحضر لحظة غرق، لحظة استسلام أخيرة، وداع لآخر فرصة للحياة، يقول له:
"كل ما أفكر به الآن، هو أن البحر عميق، كم هو سريع، كم أنا عاجز عن حمايتك، كل ما يسعني فعله الآن..هو أن أصلي".
رسائل البحر
استطاع حسيني، صاحب "ألف شمس ساطعة"، إلى جانب مهاراته الحكائية العذبة التي دفعته في مصاف الكتاب الأعلى مبيعا في العالم، استطاع تقمص دور واقعي لأب في ذروة عجزه عن حماية ابنه من روع المصير.
لا يشير الفيلم بأصابع اتهامات سياسية، ولا يُقلب في المأساة السورية بملقط مؤدلج، ولا بتحليل مُتسرب من غرف الأخبار، فقط يحمل من البحر واحدة من رسائله الثقيلة التي يلفظها على شواطئه، مهديا إياها لما تبقى من إنسانية في العالم، ويفصَل بنص صريح في نهاية الفيلم: "في العام الذي تلا غرق الطفل آلان توفي 4176 طفلا غرقا أو ضياعا خلال تقفيهم نفس الرحلة التي تُوفي على إثرها آلان، وأصبحت أرقام الوفاة في البحر في ازدياد".
تجدر الإشارة إلى أن الكاتب الأفغاني الأصل خالد حسيني تم تعيينه قبل سنوات سفيرا للنوايا الحسنة في "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" التي أنتجت الفيلم القصير بالاشتراك مع صحيفة "الجارديان".
aXA6IDMuMTQ5LjIzMi44NyA= جزيرة ام اند امز