أنهار ألاسكا تتحول إلى اللون البرتقالي.. التربة تذوب وتطلق معادن سامة
في أقصى شمال أمريكا الشمالية، وتحديدًا في نطاق ولاية ألاسكا، تمتد سلسلة جبال بروكس بطولٍ يزيد على ألف كيلومتر، حيث تجري الأنهار عبر تلك السلاسل الجبلية لتشكل شريان حياة للسكان الأصليين في المنطقة.
تقع مجاري هذه الجبال ضمن مساحة تُقدَّر بنحو 14 مليون هكتار، وقد دعمت تلك الجداول المائية الأسماك المهاجرة والمقيمة لعقود طويلة. لكنّ هذه المياه، التي كانت صافية تاريخيًا، تحوّلت مؤخرًا إلى اللون البرتقالي في ظاهرة أثارت المخاوف، وكأنها تلوث ناتج عن مناجم، مما يُهدد حياة الأسماك والنظم البيئية والمجتمعات المحلية.
هذا التحوّل دفع مجموعة بحثية من جامعة ألاسكا، بقيادة الدكتور باتريك سوليفان (Patrick Sullivan)، إلى فتح تحقيق علمي شامل حول الظاهرة. وأشارت نتائجهم إلى أن الاحترار العالمي تسبب في ذوبان التربة الصقيعية، ما أدى إلى تعرّض معادن الكبريتيد للتجوية، ومن ثم نقل الحديد ومعادن أخرى سامة إلى الأنظمة البيئية المائية.
وقد نُشرت نتائج الدراسة في دورية Proceedings of the National Academy of Sciences في 8 سبتمبر/أيلول 2025.
يقول الدكتور سوليفان إن الظاهرة لفتت انتباهه منذ عام 2019، حين لاحظ أثناء عمله الميداني أن نهر السلمون بدا وكأنه مجرى صرف صحي، ما أثار قلقه ودفعه إلى تشكيل فريق بحثي لدراسة الأسباب.
ويضيف في حديثه إلى "العين الإخبارية": "استخدمنا مهارات متقدمة في السفر عبر البرية للوصول إلى مستجمع مياه نهر السلمون، وجمعنا العينات والبيانات على امتداد مسار النهر. استغرقت عملية جمع العينات النموذجية نحو أسبوع، وشملت الطيران بطائرة صغيرة إلى سلسلة جبال في حوض نهر نواتاك حيث هبطنا، ثم تابعنا سيرًا على الأقدام لمسافة تتراوح بين 10 و20 ميلًا عبر التندرا للوصول إلى مياه نهر السلمون القابلة للطفو، حيث نفخنا قواربنا المطاطية، وبدأنا جمع العينات أثناء نزولنا عبر النهر".

ويتابع قائلاً: "عند الوصول إلى نهر كوبوك، كانت تنتظرنا طائرة استطلاع لالتقاطنا من شريط حصى عند مصب نهر السلمون. أما إذا ارتفع منسوب المياه في نهر كوبوك، فكنا نبحر لمسافة إضافية تُقدّر بـ40 ميلًا تقريبًا حتى قرية كيانا، التي تضم مطارًا صغيرًا للحصى."
أظهرت نتائج التحاليل أن ذوبان التربة الصقيعية يترك المجال مفتوحًا أمام تفاعلات جيوكيميائية تؤكسد الصخور الغنية بالكبريتيد، مسببةً تكوين معادن سامة تتراكم في أعضاء الأسماك، مما يؤثر في الكائنات الحية الأخرى مثل الطيور والدببة.
ويُوضح الدكتور سوليفان: "تتحول ألوان العديد من أنهار شمال ألاسكا إلى اللون البرتقالي وتصبح عكرة، لأن ذوبان التربة الصقيعية يُعرّض معادن الكبريتيد في قاع الصخور، مثل البيريت، لعمليات الأكسدة".
ويضيف موضحًا: "المعادن المنطلقة تشمل تلك الموجودة في معادن الكبريتيد وتلك في الصخور المحيطة، والتي تُرشَّح بواسطة الأحماض الناتجة عن أكسدة الكبريتيد. لاحظنا تركيزات مرتفعة من الحديد والألمنيوم والكادميوم والنحاس والنيكل والزنك والكوبالت أسفل مصب التسربات الحمضية وفي روافد صغيرة أو في المنبع الرئيسي لنهر السلمون. وتختلف هذه التركيزات باختلاف طبيعة الكبريتيدات والتركيب الجيولوجي في كل منطقة".
ووفقًا لتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، فقد سجّل عام 2024 أعلى متوسط لدرجات الحرارة، بزيادة بلغت 1.55 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ما يعزز من تسارع ذوبان الجليد والتربة الصقيعية، ويطلق مزيدًا من هذه التفاعلات الجيوكيميائية.
لكن متى يمكن أن تتوقف هذه العملية؟ يجيب الدكتور سوليفان قائلًا: "يمكن أن تتوقف هذه العملية إذا تعافى الجليد الدائم. أما في حال عدم تعافيه، فستستمر حتى تُكمل معادن الكبريتيد المكشوفة حديثًا عملية التجوية. إنها عملية جيولوجية تستمر على مقياس زمني جيولوجي، أي آلاف السنين".
ويشير إلى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على ألاسكا فحسب، بل رُصدت أيضًا في شمال غرب كندا، وجبال الألب، وبيرو، والمناطق المرتفعة في كولورادو، متوقعًا أن تُكتشف مناطق جديدة متأثرة بنفس الآلية.
كما تُظهر نتائج الدراسة تدهورًا حادًا في جودة موائل الأسماك في مستجمع مياه نهر السلمون، ما ينعكس سلبًا على أعداد الأسماك، وربما يفسر الانخفاض الملحوظ في أعداد سمك السلمون الصغير الذي تعتمد عليه المجتمعات المحلية في غذائها واقتصادها.