لماذا علاقات قطر وإسرائيل "سرية"؟.. تميم على نهج أبيه
حقائق ووثائق وشهادات تتوالى تباعا تميط اللثام عن علاقة قطر السرية بإسرائيل، وتكشف تآمرها على القضية الفلسطينية على مدار 25 عاما.
مؤامرة بدأت منذ انقلاب حمد بن خليفة على والده وتوليه الحكم عام 1995، ومستمرة حتى اليوم في عهد أمير قطر الحالي تميم بن حمد آل ثاني.
وقبل الحديث عن تفاصيل تلك المؤامرة، يجب التفريق بين علاقات مع إسرائيل على الطريقة القطرية، وتوقيع معاهدات سلام معها على الطريقة الإماراتية.
- انتقادات فلسطينية.. قطر أول دولة عربية تعترف بصفقة القرن
- قيادي بـ"فتح": قطر تشق الصف الفلسطيني بأموالها التي تمر من إسرائيل
والمقارنة هنا بين الدبلوماسية الواقعية والسياسة العقلانية التي تنتهجها الإمارات، في مقابل الانتهازية والمتاجرة بالقضية الفلسطينية دأبت عليها الدوحة.
هناك فرق بين دولة تتاجر بالقضية منذ 25 عاما، وعرضت مرارا وتكرارا تطبيعا مجانيا بلا مقابل، فكرست الانقسام الفلسطيني وأسهمت تدخلاتها في خسائر متلاحقة لقضية العرب الأولى وتراجع الاهتمام ببحث حلول لها دوليا.
وأخرى قامت بإنجاز تاريخي عبر توقيع معاهدة سلام أنقذت بموجبها أكثر من 30% مما تبقى من الأراضي الفلسطينية من أن يتم ضمه.
فرق بين سياسة إماراتية واضحة تقول في العلن ما تردده في السر، وأخرى قطرية متناقضة تزعم الدفاع عن القضية الفلسطينية في العلن وتبيعها بلا ثمن في الغرف المغلقة، وبأسلوب الصفقات، عبر زيارات سرية لإسرائيل.
برقيات سرية كتبها دبلوماسيون أمريكيون، وشهادات حديثة لمسؤولين إسرائيليين عملوا بالدوحة، وتصريحات لمسؤولين قطريين أنفسهم، وحقائق على أرض الواقع تضعها "العين الإخبارية" في السطور التالية تكشف تفاصيل المؤامرة القطرية على القضية الفلسطينية وحقيقة علاقتها مع إسرائيل.
القصة من البداية
بعد عام واحد من انقلابه على أبيه وتوليه الحكم، سارع أمير قطر السابق حمد بن خليفة إلى إقامة علاقات مع إسرائيل، حيث تم افتتاح المكتب التجاري في الدوحة من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز عام 1996، ما يشير إلى أنه "أكثر من مكتب"؛ إذ إن رئيسه كان يحوز رتبة سفير في الخارجية الإسرائيلية.
ولم يتم التوقف عند هذا الحد، بل تم توقيع اتفاقية لبيع الغاز القطري إلى إسرائيل، وإنشاء بورصة الغاز في تل أبيب، وجرى تأسيس قناة الجزيرة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1996، لتتولى أكبر عملية تطبيع إعلامي على مدار الساعة.
سامي ريفيل أول رئيس لمكتب تمثيل المصالح الإسرائيلية في قطر (1996-1999) كشف عن تفاصيل أولى خطوات التطبيع القطري الإسرائيلي منذ عام 1996، وأن الدوحة هي من سعت إلى التطبيع بصورة أدهشت الإسرائيليين أنفسهم.
وأوضح "ريفيل" أن التطبيع مع قطر جاء برغبة ملحة من أمير قطر السابق حمد بن خليفة للحصول على شرعية تغطي انقلابه على والده، وبيّن أنه فتح شاشات الجزيرة القطرية لاستقبال رموز تل أبيب.
وأشار إلى أن "حمد بن خليفة عمل على تمويع القضية الفلسطينية كـ(عربون صداقة) لإسرائيل".
بدوره كشف إيلي أفيدار، عضو الكنيست الإسرائيلي، والذي تولى رئاسة مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي في قطر خلال الفترة (1999-2001) في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية" كواليس تفاصيل العلاقة بين الدوحة وتل أبيب، والسياسات المتناقضة لتنظيم الحمدين تجاه إسرائيل.
وأكد أفيدار أن "قطر تنتهج أسلوب الخداع والكذب في طبيعة علاقاتها القوية مع إسرائيل"، موضحا أن "النظام القطري حاول إيهام شعبه بعدم وجود أي علاقات بإسرائيل، وروج بأن قطر لا توافق على العلاقات مع إسرائيل، في حين أن النظام هو من طلب عقد اتفاق مع تل أبيب، وافتتاح مكتب تجاري إسرائيلي بالدوحة".
وروى نماذج لأكاذيب قطر وخداعها، مشيرا إلى أنه "في عام 2000 كذبت قطر على الدول التي شاركت بمؤتمر القمة الإسلامية، قائلة إنها أغلقت مكتبنا، لكنني كنت هناك، وطلبوا مني أن أصمت، وألا أغادر البيت لمدة أسبوعين.. هذا أسلوب قطر، أسلوب الخداع والكذب وإخفاء علاقاتها بإسرائيل".
وفي هذا الصدد، شدد على أن "سياسة قطر هي سياسة (حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر الأسبق وأحد المتحكمين في سياستها حتى اليوم) التي تلعب على الجبهتين، ففي الوقت الذي تقترب فيه من إسرائيل وتعقد اللقاءات مع قادتها بالخفاء، تطلب من قناة الجزيرة، الذراع الإعلامية لها، انتقاد تل أبيب بشكل علني".
وحول حقيقة حرية الرأي في الإعلام القطري، قال: "الإعلام لم يتحدث إطلاقا عن المكتب الإسرائيلي، وكان دائم الانتقاد لتل أبيب، وكان يبلغنا دائما أن هناك حرية رأي وتعبير، لكن الواقع غير ذلك".
وبيّن أنها فيما كانت تسعى قطر لتوثيق علاقتها بإسرائيل كانت تهاجم -عبر الجزيرة- أي دولة تريد فتح علاقات مع إسرائيل.
ولم تكن القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني على أجندة حمد بن جاسم خلال فترة فتح مكتب المصالح الإسرائيلية بالدوحة، بحسب النائب الإسرائيلي.
وقال "أفيدور" إن "الأخير لم يتحدث إطلاقا عن القضية الفلسطينية ولم يفعل شيئا لها، بل لم ينص اتفاق فتح المكتب الإسرائيلي على أي إشارة للقضية".
اعترافات حمد بن جاسم
اعترافات حمد بن جاسم جاءت متوافقة مع شهادات المسؤولين الإسرائيليين الذين عملوا في الدوحة، ففي مايو/أيار 2013 في حوار مع محطة "سي إن إن" قال حمد بن جاسم إن "قطر قد تفكر في توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل إذا كان هذا الأمر يخدم مصلحة بلاده".
وكشفت القناة العاشرة بالتلفزيون الإسرائيلي في تقرير سابق لها أن "بن جاسم سبق والتقى وزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبي ليفني في أحد الفنادق بنيويورك، مؤكداً رغبة الدوحة في إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب تتمثل في إنشاء سفارات وتمثيل تجاري، دون الاشتراط بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس".
كما اعترف بن جاسم في حوار مع التلفزيون القطري في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2017 بأن "الدوحة أقامت علاقات مع تل أبيب تزلفا وتقربا من أمريكا وكان من المهم إقامة علاقة مع إسرائيل كي تفتح لك أبوابا كثيرة في أمريكا".
حديث بن جاسم هنا كان يشير بوضوح إلى محاولة تثبيت حكم حمد بن خليفة أمير قطر السابق بعد انقلابه على والده في 27 يونيو/حزيران 1995، حيث سارع أمير قطر السابق إلى إقامة علاقات مع إسرائيل، بعد عام واحد من توليه الحكم، كما أكدت شهادات ريفيل وأفيدور.
تكريس الانقسام الفلسطيني
أسهمت سياسات حمد بن خليفة في تكريس الانقسام الفلسطيني، فعندما أعلنت حماس انقلابها على السلطة الفلسطينية عام 2007، وبسط سيطرتها على قطاع غزة والانفصال عن الضفة الغربية، أيدت الدوحة الخطوة ودعمتها ماليا ولا تزال.
وفي أكتوبر/تشرين الثاني عام 2012، زار أمير قطر السابق قطاع غزة، واستقبلته حماس استقبال الفاتحين رغم معارضة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأي تعامل مباشر مع حماس، وحينها قدم دعماً مالياً للحركة الإرهابية قيمته 450 مليون دولار تحت ستار مشروعات إعادة إعمار غزة.
برقيات سرية
تظهر برقيات سرية كتبها دبلوماسيون أمريكيون، واطلعت عليها "العين الإخبارية"، في إطار استمرارها فضح المستور في سجل قطر التآمري، كيف سعى الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني لأن يظهر كبطل للرأي العام العربي من خلال استغلاله قضية غزة.
كما تُبرز البرقيات التي نشرها موقع التسريبات "ويكيليكس"، تفضيل قطر لإسرائيل على مصر في إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، ورفض الدوحة تقديم المال للسلطة الفلسطينية، وتشجيعها على استمرار الانفصال بين الضفة الغربية والقطاع.
السفير الأمريكي الأسبق في الدوحة، جوزيف لابارون، قال في برقية سرية، كتبها في 12 يناير/كانون الثاني 2009 "استراتيجيا، يحاول الأمير حمد (بن خليفة آل ثاني) أن يضع نفسه في قضية غزة كبطل للرأي العام العربي، وتحاول عائلة آل ثاني الحاكمة أن تروّج هذا الرأي بشكل غير مباشر من خلال دعمها المالي وتوجيهها السري لقناة الجزيرة".
وفي موقف صادم قال وزير الدولة القطري للتعاون الدولي آنذاك خالد العطية للسفير الأمريكي نفسه، في 3 فبراير/شباط 2009: "قطر تريد إدخال مساعداتها من خلال إسرائيل".
ونقلت البرقية عن العطية أنه سعيد بعلاقة قطر مع مؤسسة أمريكية غير حكومية لها علاقات مع الحكومة الإسرائيلية، وهو ما مكّنها من إدخال المساعدات عبر الطرف الإسرائيلي"، مشيرا إلى أن " الدوحة لن ترسل مساعداتها إلى غزة من خلال مصر".
وتكشف برقية سرية أمريكية الفرق الشاسع بين ما تعلنه قطر عن مساعدات لغزة في العلن وبين ما تصرفه فعلا.
وكتب القائم بأعمال السفير الأمريكي في الدوحة مايكل راتني في برقية سرية يوم 12 مايو/أيار 2009، أن غالبية المساعدات القطرية إلى غزة ستوجه من خلال قنوات غير تابعة للأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية.
وأشار راتني إلى أن "قطر تعهدت بتقديم 250 مليون دولار كمساعدات لغزة، ولكن فعليا أعلنت مؤسسة قطر الخيرية عن تقديم 100 مليون تم الإعلان عن صرف 40 مليونا منها فقط".
ولفت إلى أن "مؤسسة قطر الخيرية أُدرجت في مارس/آذار 2008 كمؤسسة داعمة للإرهاب من قبل لجنة المخابرات المشتركة للوكالات المعنية بالإرهاب، بعد أن أبدت استعدادها ورغبتها في تقديم مساعدات مالية لمنظمات إرهابية مستعدة لمهاجمة أمريكيين أو مصالح أمريكية، أو تقديم دعم تشغيلي لمنظمات متطرفة".
وتكشف برقية سرية أمريكية أن أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، على استعداد لدفع المال مقابل أن يكون له دور سياسي.
ويتضح من برقيات أخرى أن "قطر سعت إلى الحصول على أي شيء من الإسرائيليين لتبرير حفاظها على علاقاتها مع تل أبيب".
وتنقل برقية كتبها السفير الأمريكي الأسبق جوزيف لابارون في 8 فبراير/شباط 2010 عن بن جاسم أنه بحفاظهم على سياستهم بالإبقاء على علاقات جيدة مع إسرائيل، فإن القطريين يأملون في مبادرة من قبل الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين تسمح للدوحة باستعادة الكرامة لنفسها وأن تسمح للدبلوماسيين الإسرائيليين بالعودة.
السفير الأمريكي كشف في البرقية ذاتها أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس طلبت من أمير قطر، المساعدة في إقناع حماس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2006 وهو ما وافقت عليه الحركة للمرة الأولى منذ إقامة السلطة الفلسطينية عام 1994.
وفي هذا الصدد، كتب لابارون في برقية سرية عن نتائج اجتماع بن جاسم مع السيناتور الأمريكي آنذاك جون كيري في 24 فبراير/شباط 2010، أن الأول قال"يمكن لقادة حماس في دمشق وغزة الاعتراف بإسرائيل، لكن يجب عليهم دراسة التوقيت بعناية شديدة لأن مؤيدي الحركة ليسوا على استعداد لهذا التغيير".
من حمد إلى تميم.. نهج واحد
وبعد تولي ابنه تميم بن حمد الحكم في يونيو/حزيران 2013، واصل السير على نهج أبيه، واستمرت قطر في تطبيعها مع إسرائيل بلا مقابل والعمل على تكريس الانقسام الفلسطيني، وواصلت وسائل الإعلام الممولة من قطر سياسات التناقضات نفسها.
ففي مايو/ آيار 2019، قامت قناة الجزيرة بوقف اثنين من صحفييها عن العمل إثر تقرير أغضب الحكومة الإسرائيلية.
ولم تكتف القناة القطرية بالخطوة، لكنها سارعت إلى إبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بها في محاولة لكسب وده وعدم إغضابه.
وفي يونيو/حزيران 2019، وفي حلقة جديدة من مسلسل التناقضات القطرية، شاركت قطر في ورشة " السلام من أجل الازدهار" بالعاصمة البحرينية المنامة، بعد هجوم شديد من قبل إعلام "الحمدين" على الورشة، واصفا المشاركين فيها أنهم يسيرون في "الاتجاه الخاطئ".
قطر التي جاهرت عبر إعلامها وعلى رأسه قناة "الجزيرة" بمعارضتها للمؤتمر، لم تكشف بشكل رسمي عن مشاركتها في المؤتمر، قبل أن تلتقط الكاميرات صورة وزير المالية القطري علي شريف العمادي في الصفوف الأولى للمشاركين في المؤتمر.
الفضيحة القطرية في المنامة، جاءت بعد 10 أيام من الكشف عن قيام قطر بالتجارة بالقضية الفلسطينية، بزعم دعم غزة تحت ستار تقديم أموال وإقامة مشاريع بالاتفاق مع إسرائيل، هدفها شراء التهدئة في غزة وتكريس الانقسام الفلسطيني.
وخلال العام الجاري، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن قيام رئيس الموساد يوسي كوهين، وقائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال هرتسي هاليفي بزيارة سرية لقطر في فبراير/شباط الماضي، لحثهم على الاستمرار في دعم حركة حماس.
استهداف مبادرات ومعاهدات السلام
وفيما تنشط قطر في إقامة علاقات مع إسرائيل وتكريس الانقسام الفلسطيني، لم تفوت فرصة للهجوم على أي مبادرات أو معاهدات لنشر السلام وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
فعند الإعلان عن مبادرة العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز (كان وليا للعهد السعودي آنذاك) بشأن تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية شريطة الانسحاب إلى حدود 1967، التي أطلقها عام 2001 وتبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002، سعت الدوحة بكل قوة إلى إفشالها، وشنت هجوما حادا عليها آنذاك.
تكرر الأمر مع معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية التي تم توقيعها في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.
فيما كانت إسرائيل قاب قوسين أو أدنى خلال الشهور الماضية من ضم غور الأردن والمستوطنات بالضفة الغربية، الأمر الذي يعني القضاء على أمل إقامة دولة فلسطينية، تدخلت الإمارات بدبلوماسيتها الواقعية لتمنع الضم عبر معاهدة سلام تاريخية مع إسرائيل.
وبينما تواصل الإمارات العمل من أجل نصرة القضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني عبر السلام، تواصل الدوحة شن حملات تحريضية ضد الإمارات والدول التي تؤيد مواقفها الداعمة للسلام.
تواصل قطر مؤامراتها ضد القضية الفلسطينية، لا تزال الإمارات تعمل على إقامة دولة فلسطينية، ولكنها اختارت طريقا مختلفا عن طرق سلكها العرب على مدى عقود، ولم تسهم في شيء، سوى في خسائر متلاحقة للقضية.
aXA6IDE4LjE4OC43Ni4yMDkg جزيرة ام اند امز