الأمن والمناخ.. السلام العالمي بميزان التغيرات
"اختفاء الماء يلقي بتبعات ثقيلة على الناس ويضطرهم للنزاع من أجل الحصول على هذه الموارد، والأسوأ أن الصراع يجعل مناطقنا مرتعا للإرهاب".
هكذا نقلت الناشطة التشادية الشابة هندو إبراهيم، الكفاح اليومي الذي تخوضه المجتمعات الرعوية بمنطقة الساحل الأفريقي للبقاء على قيد الحياة في مواجهة تغير المناخ.
مداخلة قدمتها هندو قبل عامين أمام مجلس الأمن الدولي خلال جلسة حول تأثير تغير المناخ على السلم والأمن الدوليين تطرقت فيها إلى واقع الساحل الأفريقي ومنطقة بحيرة تشاد بشكل خاص، حيث تتبلور هناك المقاربة بشكل واضح وجلي من خلال يوميات السكان.
وقالت هندو، وهي من عرقية "الإمبورورو"، إن "تغير المناخ يهدد الأمن والسلم الدوليين، فعندما تشح موارد المياه والغذاء، يتنازع السكان، وقد تتطور هذه النزاعات من المستوى المحلي إلى الوطني ثم الإقليمي".
وأضافت الناشطة من "المنتدى الدولي للشعوب الأصلية" المعني بقضايا تغير المناخ: "وعندما يعجز رب الأسرة عن إطعام أبنائه بسبب تقلص الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها، يصبح عرضة للانضمام إلى الجماعات الإرهابية والمتطرفة"
وحذرت هندو من أن "المجتمعات الرعوية في منطقة الساحل أصبحت تعيش آثار التغير المناخي حقيقة واقعة في حياتهم اليومية"، وفق موقع الأمم المتحدة.
وتابعت: "أكثر من 80 % من مجتمعاتنا في الساحل وبالذات في منطقتي تعتمد على ما تجود به الطبيعة عليهم من منتجات الزراعة وصيد الأسماك وتربية المواشي. هذه هي حياتهم اليومية. عليهم الكفاح من أجل توفير الغذاء لعائلاتهم".
وأردفت: "المثال العملي لذلك هو أننا كرعاة علينا التنقل وفقا لتغير الفصول طلبا للماء والكلأ. وخلال العقد الأخير أصبحنا نعيش التغير المناخي ونلمسه في كل مواردنا الطبيعية والتي بدأت تتقلص. بالتأكيد سمعتم بما حدث في بحيرة تشاد، ولكن هناك مناطق أخرى عديدة اختفى منها الماء إلى الأبد."
وتواجه بحيرة تشاد مخاطر الاندثار، في وقت يمثل فيه المورد الحيوي مصدر رزق لنحو 30 مليون شخص في بلدان الساحل الأفريقي التي تطلّ عليها (الكاميرون والنيجر وتشاد ونيجيريا).
ومع أن تقلّص متوسّط مياه البحيرة يعود إلى زمن بعيد، إلاّ أنّ تمركز "بوكو حرام" وغيرها من المجموعات المسلّحة في تلك البلدان، فاقم من مخاوف اندثار البحيرة وحال دون تفعيل مخطّط إنقاذها.
كما ساهمت التغيرات المناخية، مثل الجفاف وندرة الأمطار والاستغلال المفرط للموارد المائية من قبل السكان المحليين، في تراجع متوسّط مياهها من 25 ألف كلم مربع إلى ألف و350، وفقا لبيانات البنك الدولي ولجنة حوض بحيرة تشاد.
تقلص البحيرة وغيرها من الموارد في منطقة الساحل، حذرت هندو من أنه بات يشكل بيئة جاذبة للمجموعات الإرهابية.
وقالت موضحة الجزئية الأخيرة، إن اختفاء الماء يلقي بتبعات ثقيلة على الناس ويضطرهم إلى النزاع من أجل تأمين الحصول على هذه الموارد، وهذه النزاعات تتطور من المستوي المحلي إلى القومي ومن ثم الإقليمي.
والأسوأ من ذلك، تتابع، هو "تحول هذه المناطق إلى بيئة خصبة للإرهاب، لأن المجموعات الإرهابية بدأت تنمو في هذه المناطق. لماذا تنمو؟ ربما بسبب الأيديولوجيا ولكن أيضا ربما بسبب أنهم يستغلون فقر الناس بهذه المناطق."
أنهار الشرق الأوسط
وعلاوة على القارة السمراء، تتعرض الأنهار الكبرى في الشرق الأوسط لضغوط كبيرة جراء تغير المناخ والمنافسة على استخدام المياه، ما يفاقم القلق بشأن علاقة ذلك باستفحال الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
قلق أعرب عنه حسن الجنابي الوزير العراقي السابق للموارد المائية، في جلسة سابقة لمجلس الأمن الدولي، بالقول إن الحضارات البشرية الأولى نشأت في أحواض الأنهار الكبرى في مختلف القارات.
وأضاف، في كلمته أمام المجلس: "لذلك، فمن المقلق أن أحواض الأنهار الكبرى، في الشرق الأوسط على وجه التحديد، تتعرض لضغوط وإجهاد ناتجة في شقها الأول عن التغيرات المناخية وفي شقها الآخر عن التنافس على الاستخدامات والسيطرة على الموارد المائية المشتركة".
وأشار إلى أن ما تقدم يحدث في ظل انعدام اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف، أو أطر إقليمية للاستخدام المنصف والمعقول للمياه المشتركة، ما يفاقم المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويزيد حدة الأضرار السلبية لظاهرة التغير المناخي.
ولفت الجنابي، استنادا إلى تقديرات، إلى أن نحو 90 % من الأراضي العراقية الخصبة تاريخيا مهددة بدرجات متفاوتة بالتصحر الناتج عن الاحتباس الحراري وشح الإيرادات المائية.
واعتبر أن الشيء نفسه ينطبق على دول المنطقة، ولهذا لجأت مصر، وكذلك العراق، قبل أكثر من عامين، إلى تقليص المساحات المزروعة ومنع زراعة بعض المحاصيل التي اعتاد السكان على زراعتها منذ فجر التاريخ، بسبب ندرة المياه.
معادلة بالاتجاهين
وكما للتغير المناخي علاقة بتنامي الإرهاب، يرى محللون أن الخراب والدمار الذي يحدثه الإرهابيون في المنشآت المدنية والمائية بشكل خاص، يفاقم عوامل التغير المناخي.
معادلة بقطبين يشكلان السبب والنتيجة في آن، ما يؤكد أن تغير المناخ ظاهرة عالمية لا تتوقف عند حدود معينة أو أسباب محددة، بل تتقاطع عندها الكثير من المتغيرات التي تدفع نحو تفاقمها.
تغيرات مناخية قاسية تجتاح العالم وتضع أمنه في الميزان على جميع المستويات، بما في ذلك سلامته وغذاؤه، خصوصا في ظل التداعيات الوخيمة لحرائق الغابات بسيبيريا وكاليفورنيا وأستراليا وحوض الأمازون، والأعاصير العاتية في آسيا والجفاف بالغرب والوسط الأمريكي والفيضانات والجراد بأفريقيا، إضافة لانخفاض رقعة الجليد بالمنطقة القطبية الشمالية وغيره.
معادلة جديدة تفرض نفسها عبر مقاربة المناخ والأمن، تجعل ملايين البشر من تكساس حتى جنيف، ومن بانكوك إلى أكرا، مضطرين للاعتماد على المساعدات الغذائية للمرة الأولى.
فيما تشير دراسات إلى أن واحدا من بين كل 33 شخصا على وجه الأرض سيعتمد خلال العام الحالي على هذه المساعدات.
aXA6IDE4LjExNi4xNC40OCA= جزيرة ام اند امز